للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْإِعْرَاضُ: الصَّدُّ، وَضِدُّ الْإِقْبَالِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٦٣] ، وَقَوْلِهِ: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٦٨] .

وَالنَّأْيُ: الْبُعْدُ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٢٦] .

وَالْجَانِبُ: الْجَنْبُ. وَهُوَ الْجِهَةُ مِنَ الْجَسَدِ الَّتِي فِيهَا الْيَدُ، وَهُمَا جَانِبَانِ: يَمِينٌ وَيَسَارٌ.

وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِجانِبِهِ لِلْمُصَاحَبَةِ، أَيْ بَعُدَ مُصَاحِبًا لِجَانِبِهِ، أَيْ مُبْعِدًا جَانِبَهُ.

وَالْبُعْدُ بِالْجَانِبِ تَمْثِيلُ الْإِجْفَالِ مِنَ الشَّيْءِ، قَالَ عَنْتَرَةُ:

وَكَأَنَّمَا يَنْأَى بِجَانِبِ دُفِّهَا الْ ... وَحْشِيِّ مِنْ هَزَجِ الْعَشِيِّ مُؤَوَّمٍ (١)

فَالْمُفَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَنَأى بِجانِبِهِ صَدَّ عَنِ الْعِبَادَةِ وَالشُّكْرِ. وَهَذَا غَيْرُ الْمُفَادِ مِنْ مَعْنَى أَعْرَضَ فَلَيْسَ تَأْكِيدًا لَهُ، فَالْمَعْنَى: أَعْرَضَ وَتَبَاعَدَ.

وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ أَعْرَضَ وَنَأى لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ، أَيْ أَعْرَضَ عَنَّا وَأَجْفَلَ مِنَّا، أَيْ مِنْ عِبَادَتِنَا وَأَمْرِنَا وَنَهْيِنَا.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَنَأى بِهَمْزَةٍ بَعْدَ النُّونِ وَأَلِفٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ.

وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ ذَكْوَانَ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَنَاءَ بِأَلِفٍ بَعْدَ النُّونِ ثُمَّ هَمْزَةٍ.

وَهَذَا مِنَ الْقَلْبِ الْمَكَانِيِّ لِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ يَتَطَلَّبُونَ تَخْفِيفَ الْهَمْزَةِ إِذَا وَقَعَتْ بَعْدَ حَرْفٍ صَحِيحٍ وَبَعْدَهَا مَدَّةٌ فَيَقْلِبُونَ الْمَدَّةَ قَبْلَ الْهَمْزَةِ لِأَنَّ وُقُوعَهَا بَعْدَ الْمَدِّ أَخَفُّ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: رَاءَ فِي رَأَى، وَقَوْلُهُمْ: آرَامٌ فِي أَرْآمٍ، جَمْعُ رِئْمٍ، وَقِيلَ: نَاءَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ بِمَعْنَى ثَقُلَ، أَيْ عَنِ الشُّكْرِ، أَيْ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ [الْأَعْرَاف:

١٧٦] .


(١) أَرَادَ أَنَّهَا مجفلة فِي سَيرهَا نشطة، فَهِيَ حِين تسير تميل إِلَى جَانبهَا كَانَ هرا يخدش جَانبهَا الْأَيْسَر فتميل إِلَى جِهَة الْيَمين، أَي لَا تسير على استقامة، وَذَلِكَ من نشاط الدَّوَابّ.