الِامْتِنَانِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً وَتَعْرِيضٌ بِتَحْذِيرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَاللَّامُ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ الْمَحْذُوفِ قَبْلَ الشَّرْطِ.
وَجُمْلَةُ لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ جَوَابُ الْقَسَمِ. وَهُوَ دَلِيلُ جَوَابِ الشَّرْطِ وَمُغْنٍ عَنْهُ.
ولَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا بِمَعْنَى لَنُذْهِبَنَّهُ، أَيْ عَنْكَ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ (نُذْهِبُهُ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ [الْإِسْرَاء: ١] .
وَمَا صدق الْمَوْصُولِ الْقُرْآنُ.
وَ (ثُمَّ) لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ، لِأَنَّ نَفْيَ الطَّمَعِ فِي اسْتِرْجَاعِ الْمَسْلُوبِ أَشَدُّ عَلَى النَّفْسِ مِنْ
سَلْبِهِ. فَذِكْرُهُ أَدْخَلُ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى الشُّكْرِ وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الْغُرُورِ.
وَالْوَكِيلُ: مَنْ يُوكَلُ إِلَيْهِ الْمُهِمُّ. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُدَافِعُ عَنْكَ وَالشَّفِيعُ لَكُ. وَلِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْغَلَبَةِ عُدِّيَ بِ (عَلَى) . وَلِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّعَهُّدِ وَالْمُطَالَبَةِ عُدِّيَ إِلَى الْمَرْدُودِ بِالْبَاءِ، أَيْ مُتَعَهِّدًا بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ. وَمَعْنَى التَّعَهُّدِ: بِهِ التَّعَهُّدُ بِاسْتِرْجَاعِهِ، لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ: لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ، وَلِأَنَّ التَّعَهُّدَ لَا يَكُونُ بِذَاتِ شَيْءٍ بَلْ بِحَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ فَجَرَى، الْكَلَامُ عَلَى الْإِيجَازِ.
وَذَكَرَ هُنَا وَكِيلًا وَفِي الْآيَةِ قَبْلَهَا نَصِيراً لِأَنَّ مَعْنَى هَذِهِ عَلَى فَرْضِ سَلْبِ نِعْمَةِ الِاصْطِفَاءِ، فَالْمُطَالَبَةُ بِإِرْجَاعِ النِّعْمَةِ شَفَاعَةٌ وَوَكَالَةٌ عَنْهُ، وَأَمَّا الْآيَةُ قَبْلَهَا فَهِيَ فِي فَرْضِ إِلْحَاقِ عُقُوبَةٍ بِهِ، فَمُدَافِعَةُ تِلْكَ الْعُقُوبَةِ أَوِ الثَّأْرِ بِهَا نَصْرٌ.
وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ مُنْقَطِعٌ فَحَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ بِمَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ. وَهُوَ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ فِعْلُ الشَّرْطِ مِنْ تَوَقُّعِ ذَلِكَ، أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute