للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَعْنَى الِاجْتِمَاعِ: الِاتِّفَاقُ وَاتِّحَادُ الرَّأْيِ، أَيْ لَوْ تَوَارَدَتْ عُقُولُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَمَا أَتَوْا بِمِثْلِهِ. فَهُوَ اجْتِمَاعُ الرَّأْيِ لَا اجْتِمَاعُ التَّعَاوُنِ، كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُبَالَغَةُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً.

وَذِكْرُ الْجِنِّ مَعَ الْإِنْسِ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ، كَمَا يُقَالُ: «لَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» ، وَأَيْضًا لَأَنَّ الْمُتَحَدَّيْنَ بِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْجِنَّ يَقْدِرُونَ عَلَى الْأَعْمَالِ الْعَظِيمَةِ.

وَالْمُرَادُ بِالْمُمَاثَلَةِ لِلْقُرْآنِ: الْمُمَاثَلَةُ فِي مَجْمُوعِ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ وَالْمَعَانِي وَالْآدَابِ وَالشَّرَائِعِ، وَهِيَ نَوَاحِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ اللَّفْظِيِّ وَالْعِلْمِيِّ.

وَجُمْلَةُ لَا يَأْتُونَ جَوَابُ الْقَسَمِ الْمُوَطَّأِ لَهُ بِاللَّامِ. وَجَوَابُ (إِنِ) الشَّرْطِيَّةِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ جَوَابُ الْقَسَمِ.

وَجُمْلَةُ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً فِي مَوْقِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ لَا يَأْتُونَ.

وَ (لَوْ) وَصْلِيَّةٌ، وَهِيَ تُفِيدُ أَنَّ مَا بَعْدَهَا مَظِنَّةُ أَنْ لَا يَشْمَلَهُ مَا قَبْلَهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَوِ افْتَدى بِهِ فِي سُورَة آلِ عِمْرَانَ [٩١] .

وَالظَّهِيرُ: الْمُعِينُ. وَالْمَعْنَى: وَلَوْ تَعَاوَنَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ لَمَا أَتَوْا بِمِثْلِهِ فَكَيْفَ بِهِمْ إِذَا حَاوَلُوا ذَلِكَ مُتَفَرِّقِينَ.

وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ تَأْكِيدُ مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ الْمَدْلُولِ بِقَوْلِهِ: لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ أَنَّهُ اجْتِمَاعٌ تَظَافَرَ عَلَى عَمَلٍ وَاحِدٍ وَمَقْصِدٍ وَاحِدٍ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ مُفْحِمَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ فِي التَّحَدِّي بإعجاز الْقُرْآن.