يُنْذِرَ السَّابِقِ يُعْرَفُ بِهَا الْفَرِيقُ الْمُنْذَرُونُ بِكِلَا الإنذارين، وَهُوَ يومىء إِلَى الْمُنْذَرِينَ الْمَحْذُوفِ فِي قَوْلِهِ: لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً [الْكَهْف: ٢] وَيُغْنِي عَنْ ذِكْرِهِ. وَهَذِهِ الْعِلَّةُ أَثَارَتْهَا مُنَاسَبَةُ ذِكْرِ التَّبْشِيرِ قَبْلَهَا، وَقَدْ حُذِفَ هَنَا الْمُنْذَرُ بِهِ اعْتِمَادًا عَلَى مُقَابِلِهِ الْمُبَشَّرِ بِهِ.
وَالْمُرَادُ بِ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً هُنَا الْمُشْركين الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ النَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا بِأَنَّ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الْقُرْآنَ الْمَكِّيَّ مَا تَعَرَّضَ لِلرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مَعَ تَأَهُّلِهِمْ لِلدُّخُولِ فِي الْعُمُومِ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ.
وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُمْ بِالْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ لِأَنَّهُمْ قَدْ عُرِفُوا بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ بَيْنَ أَقْوَامِهِمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ تَشْنِيعًا عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَإِيمَاءً إِلَى أَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا مَا أُنْذِرُوا بِهِ لِأَجْلِهَا وَلِغَيْرِهَا، فَمَضْمُونُ الصِّلَةِ مِنْ مُوجِبَاتِ مَا أُنْذِرُوا بِهِ لِأَنَّ الْعِلَلَ تَتَعَدَّدُ.
وَالْوَلَدُ: اسْمٌ لِمَنْ يُولَدُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ فِي سُورَةِ يُونُسَ [٦٨] .
وَجُمْلَةُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ حَالٌ مِنَ الَّذِينَ قالُوا. وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِالْبَاءِ عَائِدٌ إِلَى الْقَوْلِ الْمَفْهُومِ مِنْ قالُوا.
وَ (مِنْ) لِتَوْكِيدِ النَّفْيِ. وَفَائِدَةُ ذِكْرِ هَذِهِ الْحَالِ أَنَّهَا أَشْنَعُ فِي كُفْرِهِمْ وَهِيَ أَنْ يَقُولُوا كَذِبًا لَيْسَتْ لَهُمْ فِيهِ شُبْهَةٌ، فَأَطْلَقَ الْعِلْمَ عَلَى سَبَبِ الْعِلْمِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لَا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الْمُؤْمِنُونَ: ١١٧] .
وَضَمِيرُ بِهِ عَائِدٌ عَلَى مَصْدَرٍ مَأْخُوذٍ مِنْ فِعْلِ قالُوا، أَيْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ الْقَوْلِ مَنْ عِلْمٍ.
وَعَطْفُ وَلا لِآبائِهِمْ لِقَطْعِ حُجَّتِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف: ٢٣] ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِآبَائِهِمْ حُجَّةٌ عَلَى مَا يَقُولُونَ فَلَيْسُوا جَدِيرِينَ بِأَنْ يُقَلِّدُوهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute