أَنَّهُ الْكَهْفُ. وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى مِنْ بَادِيَةِ الْقُطْرِ مَشَاهِدُ يُسَمُّونَهَا السَّبْعَةَ الرُّقُودَ اعْتِقَادًا بِأَنَّ أَهْلَ الْكَهْفِ كَانُوا سَبْعَةً. وَسَتُعْلَمُ مَثَارُ هَذِهِ التَّوَهُّمَاتِ.
وَفِي «تَفْسِيرِ الْآلُوسِيِّ» عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ مُعَاوِيَةَ غَزْوَ الْمَضِيقِ نَحْوَ الرُّومِ فَمَرَرْنَا بِالْكَهْفِ الَّذِي فِيهِ أَصْحَابُ الْكَهْفِ.
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْ كُشِفَ لَنَا عَنْ هَؤُلَاءِ فَنَظَرْنَا إِلَيْهِمْ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ، قَدْ مَنَعَ اللَّهُ ذَلِكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، فَقَالَ: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً [الْكَهْف:
١٨] فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَعْلَمَ عِلْمَهُمْ فَبَعَثَ رِجَالًا وَقَالَ: اذْهَبُوا فَادْخُلُوا الْكَهْفَ وَانْظُرُوا، فَذَهَبُوا فَلَمَّا دَخَلُوهُ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا فَأَخْرَجَتْهُمْ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ غَزَا مَعَ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَمَرُّوا بِالْكَهْفِ فَإِذَا فِيهِ عِظَامٌ.
فَقَالَ رَجُلٌ: هَذِهِ عِظَامُ أَهْلِ الْكَهْفِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَقَدْ ذَهَبَتْ عِظَامُهُمْ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ.
وَفِي «تَفْسِيرِ الْفَخْرِ» عَنِ الْقَفَّالِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْخُوَارَزْمِيِّ الْمُنَجِّمِ: «أَنَّ الْوَاثِقَ أَنْفَذَهُ لِيَعْرِفَ حَالَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، فَسَافَرَ إِلَى الرُّومِ فَوَجَّهَ مَلِكُ الرُّومِ مَعَهُ أَقْوَامًا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ إِنَّهُمْ فِيهِ، قَالَ: وَإِنَّ الرَّجُلَ الْمُوَكَّلَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَزَّعَنِي مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَدَخَلْتُ وَرَأَيْتُ الشُّعُورَ عَلَى صُدُورِهِمْ، قَالَ: وَعَرَفْتُ أَنَّهُ تَمْوِيهٌ وَاحْتِيَالٌ، وَأَنَّ النَّاسَ كَانُوا قَدْ عَالَجُوا تِلْكَ الْجُثَثَ بِالْأَدْوِيَةِ الْمُجَفِّفَةِ لِأَبْدَانِ الْمَوْتَى لِتَصُونَهَا عَنِ الْبِلَى مِثْلِ التَّلْطِيخِ بِالصبرِ وَغَيره» اهـ.
وَقَوْلُهُ: (فَسَافَرَ إِلَى الرُّومِ) مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْكَهْفَ كَانَ حَوْلَ مَدِينَةِ (أَفْسُوسْ) - بِالْفَاءِ أُخْتِ الْقَافِ- وَهُوَ وَهْمٌ حَصَلَ مِنْ تَشَابُهِ اسْمَيِ الْبَلَدَيْنِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ آنِفًا، فَإِنَّ بَلَدَ (أَفْسُسْ) فِي زَمَنِ الْوَاثِقِ لَا تَزَالُ فِي حُكْمِ قَيَاصِرَةِ الرُّومِ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ: إِنَّ قَيْصَرَ الرُّومِ لَمَّا بَلَغَتْهُ بَعْثَةُ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ وَجَّهَهُمُ الْخَلِيفَةُ الْوَاثِقُ، أَمَرَ بِأَنْ يُجْعَلَ دَلِيلٌ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute