وَالْعُثُورُ عَلَى الشَّيْءِ: الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ وَالظَّفَرُ بِهِ بَعْدَ الطَّلَبِ. وَقَدْ كَانَ الْحَدِيثُ عَنْ أَهْلِ الْكَهْفِ فِي تِلْكَ الْمَدِينَة يتناقله أَهلهَا فَيَسَّرَ اللَّهُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الْعُثُورَ عَلَيْهِمْ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ الْآيَةَ.
وَمَفْعُولُ أَعْثَرْنا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ عُمُومُ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً [الْكَهْف:
٢٠] . تَقْدِيرُهُ: أَعْثَرْنَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِمْ.
وَضَمِيرُ لِيَعْلَمُوا عَائِدٌ إِلَى الْمَفْعُولِ الْمَحْذُوفِ الْمُقَدَّرِ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ كَالْمَذْكُورِ.
وَوَعْدُ اللَّهِ هُوَ إِحْيَاءُ الْمَوْتَى لِلْبَعْثِ. وَأَمَّا عِلْمُهُمْ بِأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا، أَيْ سَاعَةَ الْحَشْرِ، فَهُوَ إِنْ صَارَ عِلْمُهُمْ بِذَلِكَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ تَزُولُ بِهَا خَوَاطِرُ الْخَفَاءِ الَّتِي تَعْتَرِي الْمُؤْمِنَ فِي اعْتِقَادِهِ حِينَ لَا يَتَصَوَّرُ كَيْفِيَّةَ الْعَقَائِدِ السَّمْعِيَّةِ وَمَا هُوَ بِرَيْبٍ فِي الْعِلْمِ وَلَكِنَّهُ فِي الْكَيْفِيَّةِ، وَهُوَ الْوَارِدُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَخْطُرُ إِلَّا لِصِدِّيقٍ وَلَا يَدُومُ إِلَّا عِنْدَ زِنْدِيقٍ.
إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِ أَعْثَرْنا، أَيْ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ حِينَ تَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ. وَصِيغَ ذَلِكَ بِصِيغَةِ الظَّرْفِيَّةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى اتِّصَالِ التَّنَازُعِ فِي أَمْرِ أَهْلِ الْكَهْفِ بِالْعُثُورِ عَلَيْهِمْ بِحَيْثُ تَبَادَرُوا إِلَى الْخَوْضِ فِي كَرَامَةٍ يَجْعَلُونَهَا لَهُمْ. وَهَذَا إِدْمَاجٌ لِذِكْرِ نِزَاعٍ جَرَى بَيْنَ الَّذِينَ اعْتَدَوْا عَلَيْهِمْ فِي أُمُورٍ شَتَّى جَمَعَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْرَهُمْ فَضَمِيرُ يَتَنازَعُونَ وبَيْنَهُمْ عَائِدَانِ إِلَى مَا عَادَ اللَّهُ ضَمِيرَ لِيَعْلَمُوا.
وَضَمِيرُ أَمْرَهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَى أَصْحَابِ الْكَهْفِ. وَالْأَمْرُ هُنَا بِمَعْنَى الشَّأْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute