للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمِنْ غَرِيبِ الِاتِّفَاقِ أَنْ كَانَ لِحَقِيقَةِ الثَّمَانِيَةِ اعْتِلَاقٌ بِالْمَوَاضِعِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ إِمَّا بِلَفْظِهِ كَمَا هُنَا وَآيَةِ الْحَاقَّةَ، وَإِمَّا بِالِانْتِهَاءِ إِلَيْهِ كَمَا فِي آيَةِ بَرَاءَةَ وَآيَةِ التَّحْرِيمِ، وَإِمَّا بِكَوْنِ مُسَمَّاهُ مَعْدُودًا بِعَدَدِ الثَّمَانِيَةِ كَمَا فِي آيَةِ الزُّمَرِ. وَلَقَدْ يُعَدُ الِانْتِبَاهُ إِلَى ذَلِكَ مِنَ اللَّطَائِفِ، وَلَا يَبْلُغُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَعَارِفِ. وَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا ضَابِطٌ مَضْبُوطٌ فَلَيْسَ مِنَ الْبَعِيدِ عَدُّ الْقَاضِي الْفَاضِلِ مِنْهَا آيَةَ سُورَةِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّهَا صَادَفَتِ الثَّامِنَةَ فِي الذِّكْرِ وَإِنْ لَمْ تكن ثامنة فِي صِفَاتِ الْمَوْصُوفِينَ، وَكَذَلِكَ لعد الثَّعْلَبِيّ آيَةِ سُورَةِ الْحَاقَّةِ وَمِثْلُ هَذِهِ اللَّطَائِفِ كَالزَّهْرَةِ تُشَمُّ وَلَا تُحَكُّ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ [١١٢] .

وَجُمْلَةُ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِمَا تُثِيرُهُ جُمْلَةُ سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ إِلَى آخِرِهَا مِنْ تَرَقُّبِ تَعْيِينِ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ عِدَّتِهِمْ. فَأُجِيبَ بِأَنْ يُحَالَ الْعِلْمُ بِذَلِكَ عَلَى عَلَّامِ الْغُيُوبِ. وَإِسْنَادُ اسْمِ التَّفْضِيلِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يُفِيدُ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ بِعِدَّتِهِمْ هُوَ الْعِلْمُ الْكَامِلُ وَأَنَّ عِلْمَ غَيْرِهِ مُجَرَّدُ ظَنٍّ وَحَدَسٍ قَدْ يُصَادِفُ الْوَاقِعَ وَقَدْ لَا يُصَادِفُهُ.

وَجُمْلَةُ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ كَذَلِكَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنِ اللَّهِ بِأَنَّهُ الْأَعْلَمُ يُثِيرُ فِي نُفُوسِ السَّامِعِينَ أَنْ يَسْأَلُوا: هَلْ يَكُونُ بَعْضُ النَّاسُ عَالِمًا بِعِدَّتِهِمْ عِلْمًا غَيْرَ كَامِلٍ، فَأُجِيبَ بِأَنَّ قَلِيلًا مِنَ النَّاسِ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَلَا مَحَالَةَ هُمْ مَنْ أَطْلَعَهُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ بِوَحْيٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُمْ لَا يوصفون بالأعلمية لِأَنَّ عِلْمَهُمْ مُكْتَسَبٌ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ الْأَعْلَمِ بِذَلِكَ.