بِصَاحِبِهَا، أَيْ شَبَهًا لَهُمْ، أَيْ لِلْفَرِيقَيْنِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ [النَّحْل: ٧٤] ، وَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ مُتَنَازَعًا فِيهِ بَيْنَ «ضَرَبَ، وَمَثَلًا» .
وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: لَهُمْ يَعُودُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُمْ ذِكْرٌ، وَيَعُودُ إِلَى جَمَاعَةِ الْكَافِرِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي.
ثُمَّ إِنْ كَانَ حَالُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ الْمُمَثَّلُ بِهِ حَالًا مَعْرُوفًا فَالْكَلَامُ تَمْثِيلُ حَالٍ مَحْسُوسٍ بِحَالٍ مَحْسُوسٍ. فَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْمَعْنِيُّ بِالرَّجُلَيْنِ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَخَوَانِ أَحَدُهُمَا كَافِرٌ وَهُوَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَشَدِّ- بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ- وَقِيلَ- بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ- بن عَبْدِ يَالِيلَ، وَالْآخَرُ مُسْلِمٌ وَهُوَ أَخُوهُ: أَبُو سَلَمَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْأَشَدِّ بْنِ عَبْدِ يَالِيلَ.
وَوَقَعَ فِي «الْإِصَابَةِ» : بن هِلَالٍ، وَكَانَ زَوْجَ أُمِّ سَلَمَةَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وَآله وسلّم.
وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُفَسِّرُونَ أَيْنَ كَانَتِ الْجَنَّتَانِ، وَلَعَلَّهُمَا كَانَتَا بِالطَّائِفِ فَإِنَّ فِيهِ جَنَّاتِ أَهْلِ مَكَّةَ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُمَا أَخَوَانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَاتَ أَبُوهُمَا وَتَرَكَ لَهُمَا مَالًا فَاشْتَرَى أَحَدَهُمَا أَرْضًا وَجَعَلَ فِيهَا جَنَّتَيْنِ، وَتَصَدَّقَ الْآخَرُ بِمَالِهِ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمَا فِي الدُّنْيَا مَا قَصَّهُ
اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَحَكَى مَصِيرَهُمَا فِي الْآخِرَةِ بِمَا حَكَاهُ اللَّهُ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ [٥٠- ٥٢] فِي قَوْلِهِ: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ الْآيَاتِ.. فَتَكُونُ قِصَّتُهُمَا مَعْلُومَةً بِمَا نَزَلَ فِيهَا مِنَ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ قَبْلَ سُورَةِ الْكَهْفِ.
وَإِنْ كَانَ حَالُ الرَّجُلَيْنِ حَالًا مَفْرُوضًا كَمَا جَوَّزَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَطِيَّةَ فَالْكَلَامُ عَلَى كُلِّ حَالٍ تَمْثِيلُ مَحْسُوسٍ بِمَحْسُوسٍ لِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ مُتَصَوَّرَةٌ مُتَخَيَّلَةٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَهَذِهِ الْهَيْئَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَكَادُ الْمَرْءُ يَتَخَيَّلُ أَجْمَلَ مِنْهَا فِي مَكَاسِبِ النَّاسِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ هَذَا التَّمْثِيلُ كَالَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute