للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ الْمُنْفَصِلُ عَائِدٌ عَلَى ذِي الْجَنَّتَيْنِ. وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي يُحاوِرُهُ عَائِدٌ عَلَى صَاحِبِ ذِي الْجَنَّتَيْنِ، وَرَبُّ الْجَنَّتَيْنِ يُحَاوِرُ صَاحِبَهُ. وَدَلَّ فِعْلُ الْمُحَاوَرَةِ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ وَعَظَهُ فِي الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَرَاجَعَهُ الْكَلَامَ بِالْفَخْرِ عَلَيْهِ وَالتَّطَاوُلِ شَأْنَ أهل الغطرسة والنقائص أَنْ يَعْدِلُوا عَنِ الْمُجَادَلَةِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَى إِظْهَارِ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ.

وأَعَزُّ أَشَدُّ عِزَّةً. وَالْعِزَّةُ: ضِدُّ الذُّلِّ. وَهِيَ كَثْرَةُ عَدَدِ عَشِيرَةِ الرَّجُلِ وَشَجَاعَتِهِ.

وَالنَّفَرُ: عَشِيرَةُ الرَّجُلِ الَّذِينَ يَنْفِرُونَ مَعَهُ. وَأَرَادَ بِهِمْ هُنَا وَلَدُهُ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مُقَابَلَتُهُ فِي جَوَابِ صَاحِبِهِ بقوله: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَداً [الْكَهْف: ٤٠] . وَانْتَصَبَ

نَفَراً عَلَى تَمْيِيزِ نِسْبَةِ أَعَزُّ إِلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ.

وَجُمْلَةُ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ قالَ، أَيْ قَالَ ذَلِكَ وَقَدْ دَخَلَ جَنَّتَهُ مُرَافِقًا لِصَاحِبِهِ، أَيْ دَخَلَ جَنَّتَهُ بِصَاحِبِهِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: قالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً، لِأَنَّ الْقَوْلَ لَا يَكُونُ إِلَّا خِطَابًا لِآخَرَ، أَيْ قَالَ لَهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ:

قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ [الْكَهْف: ٣٧] . وَوُقُوعُ جَوَابِ قَوْلِهِ: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَراً فِي خِلَالِ الْحِوَارِ الْجَارِي بَيْنَهُمَا فِي تِلْكَ الْجَنَّةِ.

وَمَعْنَى وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مُشْرِكٌ مُكَذِّبٌ بِالْبَعْثِ بَطِرٌ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ.

وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الْجَنَّةَ هُنَا وَهُمَا جَنَّتَانِ لِأَنَّ الدُّخُولَ إِنَّمَا يَكُونُ لِإِحْدَاهَا لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَدْخُلُ إِنَّمَا يَدْخُلُ إِحْدَاهُمَا قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْهَا إِلَى الْأُخْرَى، فَمَا دَخَلَ إِلَّا إِحْدَى الْجَنَّتَيْنِ.

وَالظَّنُّ بِمَعْنَى: الِاعْتِقَادِ، وَإِذَا انْتَفَى الظَّنُّ بِذَلِكَ ثَبَتَ الظَّنُّ بِضِدِّهِ.

وَتَبِيدُ: تَهْلِكُ وَتَفْنَى.

وَالْإِشَارَةُ بِهَذَا إِلَى الْجَنَّةِ الَّتِي هُمَا فِيهَا، أَيْ لَا أعتقد أَنَّهَا تنْتَقض وَتَضْمَحِلُّ.