وَاسْمُ إِشَارَةِ الْمَكَانِ الْبَعِيدِ مُسْتَعَارٌ لِلْإِشَارَةِ إِلَى الْحَالِ الْعَجِيبَةِ بِتَشْبِيهِ الْحَالَةِ بِالْمَكَانِ لِإِحَاطَتِهَا بِصَاحِبِهَا، وَتَشْبِيهُ غَرَابَتِهَا بِالْبُعْدِ لِنُدْرَةِ حُصُولِهَا. وَالْمَعْنَى: أَنَّ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ تَقْصُرُ الْوَلَايَةُ عَلَى اللَّهِ. فَالْوَلَايَةُ: جِنْسٌ مُعَرَّفٌ بِلَامِ الْجِنْسِ يُفِيدُ أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ
مُخْتَصٌّ بِاللَّامِ عَلَى نَحْوِ مَا قُرِّرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ [الْفَاتِحَة: ٢] .
وَالْوَلَايَةُ- بِفَتْحِ الْوَاوِ- مَصْدَرُ وَلِيَ، إِذَا ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ. وَتَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [٧٢] . وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ الْوَلايَةُ- بِكَسْرِ الْوَاوِ- وَهِيَ اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ أَوِ اسْمٌ بِمَعْنَى السُّلْطَانِ وَالْمُلْكِ.
والْحَقِّ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِالْجَرِّ، عَلَى أَنه وصف لله تَعَالَى، كَمَا وُصِفَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ فِي سُورَةِ يُونُسَ [٣٠] . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ الْحَقِّ- بِالرَّفْعِ- صِفَةٌ لِلْوَلَايَةِ، فَ الْحَقِّ بِمَعْنَى الصِّدْقِ لِأَنَّ وَلَايَةَ غَيْرِهِ كَذِبٌ وَبَاطِلٌ.
قَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ: «وَالْوَاجِبُ بِذَاتِهِ هُوَ الْحَقُّ مُطْلَقًا، إِذْ هُوَ الَّذِي يَسْتَبِينُ بِالْعَقْلِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ حَقًّا، فَهُوَ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ يُسَمَّى مَوْجُودًا وَمِنْ حَيْثُ إِضَافَتِهِ إِلَى الْعَقْلِ الَّذِي أَدْرَكَهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ يُسمى حَقًا» اهـ.
وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ وَصْفِهِ هُنَا بِالْحَقِّ دُونَ وَصْفٍ آخَرَ، لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ أَنَّ غَيْرَ اللَّهِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ أَوْ لَا دَوَامَ لَهُ.
وَخَيْرٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى أَخِيرَ، فَيَكُونُ التَّفْضِيلُ فِي الْخَيْرِيَّةِ عَلَى ثَوَابِ غَيْرِهِ وَعُقُبِ غَيْرِهِ، فَإِنَّ مَا يَأْتِي مِنْ ثَوَابٍ مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْ عُقْبَى إِمَّا زَائِفٌ مُفْضٍ إِلَى ضُرٍّ وَإِمَّا زَائِلٌ، وَثَوَابُ اللَّهِ خَالِصٌ دَائِمٌ وَكَذَلِكَ عُقْبَاهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَيْرٌ اسْمًا ضِدَّ الشَّرِّ، أَيْ هُوَ الَّذِي ثَوَابُهُ وَعُقُبُهُ خَيْرٌ وَمَا سِوَاهُ فَهُوَ شَرٌّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute