للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتُطْلَقُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا عَلَى مُدَّةِ حَيَاةِ الْأَفْرَادِ، أَيْ حَيَاةِ كُلِّ أَحَدٍ. وَوَصْفُهَا بِ (الدُّنْيَا) بِمَعْنَى الْقَرِيبَةِ، أَيِ الْحَاضِرَة غير المنتظرة، كَنَّى عَنِ الْحُضُورِ بِالْقُرْبِ، وَالْوَصْفُ لِلِاحْتِرَازِ عَنِ الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ وَهِيَ الْحَيَاةُ بَعْدَ الْمَوْتِ.

وَالْكَافُ فِي قَوْلِهِ: كَماءٍ فِي مَحَلِّ الْحَالِ مِنَ (الْحَيَاةِ) الْمُضَافِ إِلَيْهِ (مَثَلَ) . أَيِ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا لَهَا حَالَ أَنَّهَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ.

وَهَذَا الْمَثَلُ مُنْطَبِقٌ عَلَى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِإِطْلَاقَيْهَا، فَهُمَا مَرَادَانِ مِنْهُ. وَضَمِيرُ لَهُمْ عَائِدٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَنَاسُقُ ضَمَائِرِ الْجُمَعِ الْآتِيَةِ فِي قَوْلِهِ: وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ- عُرِضُوا

-لْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً

[الْكَهْف: ٤٧- ٤٨] .

وَاخْتِلَاطُ النَّبَاتِ: وَفْرَتُهُ وَالْتِفَافُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مِنْ قُوَّةِ الْخِصْبِ وَالِازْدِهَارِ.

وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: (بِهِ) بَاءُ السَّبَبِيَّةِ. وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى (مَاءٍ) أَيْ فَاخْتَلَطَ النَّبَاتُ بِسَبَبِ الْمَاءِ، أَيِ اخْتَلَطَ بَعْضُ النَّبَاتِ بِبَعْضٍ. وَلَيْسَتِ الْبَاءُ لتعدية فعل فَاخْتَلَطَ إِلَى الْمَفْعُولِ

لِعَدَمِ وُضُوحِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، وَفِي ذِكْرِ الْأَرْضِ بَعْدَ ذِكْرِ السَّمَاءِ مُحَسِّنُ الطِّبَاقِ.

وَ (أَصْبَحَ) مُسْتَعْمَلَةٌ بِمَعْنَى صَارَ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ شَائِعٌ.

وَالْهَشِيمُ: اسْمٌ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ مَهْشُومًا مُحَطَّمًا. وَالْهَشْمُ: الْكَسْرُ وَالتَّفْتِيتُ.

وتَذْرُوهُ الرِّياحُ أَيْ تُفَرِّقُهُ فِي الْهَوَاءِ. وَالذَّرْوُ: الرَّمْيُ فِي الْهَوَاءِ. شُبِّهَتْ حَالَةُ هَذَا الْعَالَمِ بِمَا فِيهِ بِحَالَةِ الرَّوْضَةِ تَبْقَى زَمَانًا بَهِجَةً خَضِرَةً ثُمَّ يَصِيرُ نَبْتُهَا بَعْدَ حِينٍ إِلَى اضْمِحْلَالٍ. وَوَجْهُ الشَّبَهِ: الْمَصِيرُ مِنْ حَالٍ حَسَنٍ إِلَى حَال سيّء. وَهَذَا تَشْبِيهُ مَعْقُولٍ بِمَحْسُوسٍ لِأَنَّ الْحَالَةَ الْمُشَبَّهَةَ مَعْقُولَةٌ إِذْ لَمْ يَرَ النَّاسُ بَوَادِرَ تَقَلُّصِ بَهْجَةِ الْحَيَاةِ، وَأَيْضًا شُبِّهَتْ هَيْئَةُ إِقْبَالِ نَعِيمِ الدُّنْيَا فِي الْحَيَاةِ مَعَ الشَّبَابِ وَالْجِدَةِ وَزُخْرُفِ الْعَيْشِ لِأَهْلِهِ، ثُمَّ تَقَلُّصِ ذَلِكَ وَزَوَالِ نَفْعِهِ ثُمَّ انْقِرَاضِهِ أَشْتَاتًا