للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَسْيِيرُ الْجِبَالِ: نَقْلُهَا مِنْ مَوَاضِعِهَا بِزَلْزَالٍ أَرْضِيٍّ عَظِيمٍ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ [التكوير: ٣] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ [النّمل: ٨٨] . وَقِيلَ: أُطْلِقَ التَّسْيِيرُ عَلَى تَنَاثُرِ أَجْزَائِهَا. فَالْمُرَادُ: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ كُلَّ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [القارعة: ٥] وَقَوْلِهِ: وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا [الْوَاقِعَة: ٥- ٦] وَقَوْلِهِ: وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً [النبأ: ٢٠] . وَالسَّبَبُ وَاحِدٌ، وَالْكَيْفِيَّتَانِ مُتَلَازِمَتَانِ، وَهُوَ مِنْ أَحْوَالِ

انْقِرَاضِ نِظَامِ هَذَا الْعَالَمِ، وَإِقْبَالِ عَالَمِ الْحَيَاةِ الْخَالِدَةِ وَالْبَعْثِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ نُسَيِّرُ بِنُونِ الْعَظَمَةِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو وَيَوْمَ تُسَيَّرُ الْجِبَالُ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ بِبِنَاءِ الْفِعْلِ إِلَى الْمَجْهُولِ وَرَفْعِ الْجِبالَ.

وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ. وَالْمَعْنَى: وَيَرَى الرَّائِي، كَقَوْلِ طَرَفَةَ:

تَرَى جُثْوَتَيْنِ مِنْ تُرَابٍ عَلَيْهِمَا ... صَفَائِحُ صُمٌّ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضَّدٍ

وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ [الْكَهْف: ٤٩] .

وَالْبَارِزَةُ: الظَّاهِرَةُ، أَيِ الظَّاهِرُ سَطْحُهَا، إِذْ لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ يَسْتُرُ وَجْهَهَا مِنْ شَجَرٍ وَنَبَاتٍ أَوْ حَيَوَانٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [النازعات: ١٤] .

وَجُمْلَةُ وَحَشَرْناهُمْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ من ضمير تَسِيرُ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِنُونِ الْعَظْمَةِ، أَوْ مِنَ الْفَاعِلِ الْمَنْوِيِّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ بِنَاءُ الْفِعْلِ لِلنَّائِبِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ تَسِيرُ الْجِبالُ بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ.

وَيَجُوزُ أَنْ نَجْعَلَ جُمْلَةَ وَحَشَرْناهُمْ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ نُسَيِّرُ الْجِبالَ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِ (نَحْشُرُهُمْ) بِأَنْ أَطْلَقَ الْفِعْلَ الْمَاضِي عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ تَنْبِيهًا عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ.

وَالْمُغَادَرَةُ: إِبْقَاءُ شَيْءٍ وَتَرْكُهُ مِنْ تَعَلُّقِ فِعْلٍ بِهِ، وَضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ فِي حَشَرْناهُمْ ومِنْهُمْ- عُرِضُوا

عَائِدَةٌ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا [الْكَهْف: ٤٥] .