وَفَسَقَ: تَجَاوَزَ عَنْ طَاعَتِهِ. وَأَصْلُهُ قَوْلُهُمْ: فَسَقَتِ الرُّطَبَةُ، إِذَا خَرَجَتْ مِنْ قِشْرِهَا فَاسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي التَّجَاوُزِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ. وَالْفِسْقُ بِمَعْنَى التَّجَاوُزِ عَنِ الطَّاعَةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: «لَمْ نَسْمَعْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَشْعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا أَحَادِيثِهَا وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ بِهِ الْعَرَبُ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ» ، أَيْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا. وَوَافَقَهُ الْمُبَرِّدُ وَابْنُ الْأَعْرَابِيِّ. وَأُطْلِقَ الْفِسْقُ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى الْعِصْيَانِ الْعَظِيمِ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٦] عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ.
وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ بِمَعْنَى الْمَأْمُورِ، أَيْ تَرَكَ وَابْتَعَدَ عَمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ.
وَالْعُدُولُ فِي قَوْلِهِ: عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ إِلَى التَّعْرِيفِ بِطَرِيقِ الْإِضَافَةِ دُونَ الضَّمِيرِ لِتَفْظِيعِ فِسْقِ الشَّيْطَانِ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ بِأَنَّهُ فِسْقُ عَبْدٍ عَنْ أَمْرِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ طَاعَتُهُ لِأَنَّهُ مَالِكُهُ.
وَفَرَّعَ عَلَى التَّذْكِيرِ بِفِسْقِ الشَّيْطَانِ وَعَلَى تَعَاظُمِهِ عَلَى أَصْلِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ إِنْكَارَ اتِّخَاذِهِ وَاتِّخَاذِ جُنْدِهِ أَوْلِيَاءَ لِأَنَّ تَكَبُّرَهُ عَلَى آدَمَ يَقْتَضِي عَدَاوَتَهُ لِلنَّوْعِ، وَلِأَنَّ عِصْيَانَهُ أَمْرَ مَالِكِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُرْجَى مِنْهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ أَهْلًا لِأَنْ يُتَّبَعَ.
وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِنْكَارِ وَالتَّوْبِيخِ لِلْمُشْرِكِينَ، إِذْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ، قَالَ تَعَالَى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ [الْأَنْعَام: ١٠٠] . وَلِذَلِكَ عَلَّلَ النَّهْيَ بِجُمْلَةِ الْحَالِ وَهِيَ جُمْلَةُ وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ.
وَالذُّرِّيَّةُ: النَّسْلُ، وَذُرِّيَّةُ الشَّيَاطِينُ وَالْجِنُّ.
وَالْعَدُوُّ: اسْمٌ يَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى الْجَمْعِ، قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة: ١] وَقَالَ: هُمُ الْعَدُوُّ [المُنَافِقُونَ: ٤] .
عُومِلَ هَذَا الِاسْمُ مُعَامَلَةَ الْمَصَادِرِ لِأَنَّهُ عَلَى زِنَةِ الْمَصْدَرِ مِثْلَ الْقَبُولِ وَالْوَلُوعِ، وَهُمَا مَصْدَرَانِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute