وَالْغَفُورُ: اسْمٌ يَتَضَمَّنُ مُبَالَغَةَ الغفران لِأَنَّهُ تَعَالَى وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ إِذْ يَغْفِرُ لِمَنْ لَا يُحْصَوْنَ وَيَغْفِرُ ذُنُوبًا لَا تُحْصَى إِنْ جَاءَهُ عَبده تَائِبًا مقلعا مُنْكَسِرًا، عَلَى أَنَّ إِمْهَالَهُ الْكُفَّارَ وَالْعُصَاةَ هُوَ أَيْضًا مِنْ أَثَرِ الْمَغْفِرَةِ إِذْ هُوَ مَغْفِرَةٌ مُؤَقَّتَةٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ذُو الرَّحْمَةِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ تَمْهِيدًا لِجُمْلَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا، فَلِذَلِكَ كَانَتْ تِلْكَ الْجُمْلَةُ بَيَانًا لِجُمْلَةِ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ بِاعْتِبَارِ الْغَفُورُ الْخَبَرُ وَهُوَ الْوَصْفُ الثَّانِي.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ فِيمَا كَسَبُوهُ مِنَ الشِّرْكِ وَالْعِنَادِ أَحْرِيَاءُ بِتَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ لَكِن اللَّهَ يُمْهِلُهُمْ إِلَى أَمَدٍ مَعْلُومٍ مُقَدَّرٍ. وَفِي ذَلِكَ التَّأْجِيلِ رَحْمَةٌ بِالنَّاسِ بِتَمْكِينِ بَعْضِهِمْ مِنْ مُهْلَةِ التَّدَارُكِ وَإِعَادَةِ النَّظَرِ، وَفِيهِ اسْتِبْقَاؤُهُمْ عَلَى حَالِهِمْ زَمَنًا.
فَوَصْفُ ذُو الرَّحْمَةِ يُسَاوِي وَصْفَ (الرَّحِيمِ) لِأَن (ذُو) تَقْتَضِي رُسُوخُ النِّسْبَةِ بَيْنَ مَوْصُوفِهَا وَمَا تُضَافُ إِلَيْهِ.
وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ وَصْفِ (الرَّحِيمِ) إِلَى ذُو الرَّحْمَةِ لِلتَّنْبِيهِ على أَنه خبر لَا نَعْتَ تَنْبِيهًا بِطَرِيقَةِ تَغْيِيرِ الْأُسْلُوبِ، فَإِنَّ اسْمَ (الرَّحِيمِ) صَارَ شَبِيهًا بِالْأَسْمَاءِ الْجَامِدَةِ، لِأَنَّهُ صِيغَ بِصِيغَةِ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ فَبَعُدَ عَنْ مُلَاحَظَةِ الِاشْتِقَاقِ فِيهِ وَاقْتَرَبَ مِنْ صِنْفِ الصِّفَةِ الذَّاتِيَّةِ.
وَ (بَلْ) لِلْإِضْرَابِ الْإِبْطَالِيِّ. عَنْ مَضْمُونِ جَوَابِ (لَوْ) ، أَيْ لَمْ يُعَجِّلْ لَهُمُ الْعَذَابَ إِذْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لِلْعَذَابِ مُتَأَخِّرٌ، وَهَذَا تَهْدِيدٌ بِمَا يَحْصُلُ لَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ.
وَالْمَوْئِلُ: مَفْعِلٌ مِنْ وَأَلَ بِمَعْنَى لَجَأَ، فَهُوَ اسْمُ مَكَانٍ بِمَعْنَى الْمَلْجَأِ.
وَأَكَّدَ النَّفْيَ بِ (لَنْ) رَدًّا عَلَى إِنْكَارِهِمْ، إِذْ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُفْلِتُونَ مِنَ الْعَذَابِ حِينَ يَرَوْنَ أَنَّهُ تَأَخَّرَ مُدَّةً طَوِيلَةً، أَيْ لِأَنْ لَا مَلْجَأَ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ دُونَ وَقْتِ وَعْدِهِ أَوْ مَكَانِ وَعْدِهِ، فَهُوَ مَلْجَؤُهُمْ. وَهَذَا مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ، أَيْ هُمْ غَيْرُ مفلتين مِنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute