وَالصَّخْرَةُ: صَخْرَةٌ مَعْهُودَةٌ لَهُمَا، إِذْ كَانَا قَدْ أَوَيَا إِلَيْهَا فِي سَيْرِهِمَا فَجَلَسَا عَلَيْهَا، وَكَانَتْ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قِيلَ: إِنَّ مَوْضِعَهَا دُونَ نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ: نَهْرُ الزَّيْتِ، لِكَثْرَةِ مَا عِنْدَهُ مِنْ شَجَرِ الزَّيْتُونِ.
وَقَوْلُهُ: نَسِيتُ الْحُوتَ أَيْ نَسِيتُ حِفْظَهُ وافتقاده، أَي فانفلت فِي الْبَحْرِ.
وَقَوْلُهُ: وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ. هَذَا نِسْيَانٌ آخَرُ غَيْرُ النِّسْيَانِ الْأَوَّلِ، فَهَذَا نِسْيَانُ ذِكْرِ الْإِخْبَارِ عَنْهُ.
وَقَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَما أَنْسانِيهُ- بِضَمِّ هَاءِ- الضَّمِيرِ عَلَى أَصْلِ الضَّمِيرِ وَهِيَ لُغَةٌ. وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ لِأَنَّ حَرَكَةَ الْكَسْرَةِ بَعْدَ الْيَاءِ أَخَفُّ.
وأَنْ أَذْكُرَهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ ضَمِيرِ أَنْسانِيهُ لَا مِنَ الْحُوتِ، وَالْمَعْنَى: مَا أَنْسَانِي أَنْ أَذْكُرَهُ لَكَ إِلَّا الشَّيْطَانُ. فَالذِّكْرُ هُنَا ذِكْرُ اللِّسَانِ.
وَوَجْهُ حَصْرِهِ إِسْنَادَ هَذَا الْإِنْسَاءِ إِلَى الشَّيْطَانِ أَنَّ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ نِسْيَانِ أَنْ يُخْبِرَ مُوسَى بِتِلْكَ الْحَادِثَةِ نِسْيَانٌ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَقَعَ فِي زَمَنٍ قَرِيبٍ مَعَ شِدَّةِ الِاهْتِمَامِ بِالْأَمْرِ الْمَنْسِيِّ وَشِدَّةِ عنايته بِإِخْبَار نبيئه بِهِ. وَمَعَ كَوْنِ الْمَنْسِيِّ أُعْجُوبَةً شَأْنُهَا أَنْ لَا تُنْسَى يَتَعَيَّنُ أَن الشَّيْطَان ألهاه بأَشْيَاء عَن أَن يتَذَكَّر ذَلِك الْحَادِث العجيب وَعلم يُوشَع أَنَّ الشَّيْطَانَ يَسُوءُهُ الْتِقَاءُ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ الصَّالِحَيْنِ، وَمَا لَهُ مِنَ الْأَثَرِ فِي بَثِّ الْعُلُومِ الصَّالِحَةِ فَهُوَ يَصْرِفُ عَنْهَا وَلَوْ بِتَأْخِيرِ وُقُوعِهَا طَمَعًا فِي حُدُوثِ الْعَوَائِقِ.
وَجُمْلَةُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَهِيَ بَقِيَّةُ
كَلَامِ فَتَى مُوسَى، أَيْ وَأَنَّهُ اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ، أَيْ سَبَحَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَيِّتًا زَمَنًا طَوِيلًا.
وَقَوْلُهُ: عَجَباً جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، وَهِيَ مِنْ حِكَايَةِ قَوْلِ الْفَتَى، أَيْ أَعْجَبُ لَهُ عَجَبًا، فَانْتَصَبَ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الْآتِي بَدَلًا من فعله.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute