مُوسَى وَإِنْكَارِهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ عَلَيْهِ فَعْلَاتِهِ الثَّلَاثَ كَانَ يُؤَيِّدُ إِنْكَارَهُ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ تَصَرَّفَ عَنْ خَطَأٍ.
وَانْتَصَبَ رَحْمَةً عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ فَيُنَازِعُهُ كُلٌّ من (أردْت) ، و (أردنَا) ، و (أَرَادَ رَبُّكَ) .
وَجُمْلَةُ ذلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً فَذْلَكَةٌ لِلْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا ابْتِدَاءٌ مِنْ
قَوْلِهِ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ، فَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى الْمَذْكُورِ فِي الْكَلَامِ السَّابِقِ وَهُوَ تَلْخِيصٌ لِلْمَقْصُودِ كَحَوْصَلَةِ الْمُدَرِّسِ فِي آخِرِ دَرْسِهِ.
وتَسْطِعْ مُضَارِعُ (اسْطَاعَ) بِمَعْنَى (اسْتَطَاعَ) . حَذَفَ تَاءَ الِاسْتِفْعَالِ تَخْفِيفًا لِقُرْبِهَا مِنْ مَخْرَجِ الطَّاءِ، وَالْمُخَالَفَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً لِلتَّفَنُّنِ تَجَنُّبًا لِإِعَادَةِ لَفَظٍ بِعَيْنِهِ مَعَ وُجُودِ مُرَادِفِهِ. وَابْتُدِئَ بِأَشْهَرِهِمَا اسْتِعْمَالًا وَجِيءَ بِالثَّانِيَةِ بِالْفِعْلِ الْمُخَفَّفِ لِأَنَّ التَّخْفِيفَ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ إِذَا كَرَّرَ تَسْتَطِعْ يَحْصُلُ مِنْ تَكْرِيرِهِ ثِقَلٌ.
وَأَكَدَّ الْمَوْصُولَ الْأَوَّلَ الْوَاقِعَ فِي قَوْلِهِ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً تَأْكِيدًا لِلتَّعْرِيضِ بِاللَّوْمِ عَلَى عَدَمِ الصَّبْرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قِصَّةَ مُوسَى وَالْخَضِرِ قَدِ اتَّخَذَتْهَا طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ النِّحَلِ الْإِسْلَامِيَّةِ أَصْلًا بَنَوْا عَلَيْهِ قَوَاعِدَ مَوْهُومَةً.
فَأَوَّلُ مَا أَسَّسُوهُ مِنْهَا أَنَّ الْخَضِرَ لَمْ يَكُنْ نَبِيئًا وَإِنَّمَا كَانَ عَبْدًا صَالِحًا، وَأَنَّ الْعِلْمَ الَّذِي أُوتِيَهُ لَيْسَ وَحْيًا وَلَكِنَّهُ إِلْهَامٌ، وَأَنَّ تَصَرُّفَهُ الَّذِي تَصَرَفَهُ فِي الْمَوْجُودَاتِ أَصْلٌ لِإِثْبَاتِ الْعُلُومِ الْبَاطِنِيَّةِ، وَأَنَّ الْخَضِرَ مَنَحَهُ اللَّهُ الْبَقَاءَ إِلَى انْتِهَاءِ مُدَّةِ الدُّنْيَا لِيَكُونَ مَرْجِعًا لِتَلَقِّي الْعُلُومِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute