فَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ كَانَ مَلِكًا مِنْ مُلُوك الصين لوجوه:
أَحَدُهَا: أَنَّ بِلَادَ الصِّينِ اشْتَهَرَ أَهْلُهَا مُنْذُ الْقِدَمِ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ تَدْبِيرٍ وَصَنَائِعَ.
الثَّانِي: أَنَّ مُعْظَمَ مُلُوكِهِمْ كَانُوا أَهْلَ عَدْلٍ وَتَدْبِيرٍ لِلْمَمْلَكَةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ مِنْ سِمَاتِهِمْ تَطْوِيل شعر رؤوسهم وَجَعْلُهَا فِي ضَفِيرَتَيْنِ فَيَظْهَرُ وَجْهُ تَعْرِيفِهِ بِذِي الْقَرْنَيْنِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ سَدًّا وَرَدْمًا عَظِيمًا لَا يُعْرَفُ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْعَالَمِ هُوَ مَوْجُودٌ بَيْنَ بِلَادِ الصِّينِ وَبِلَادِ الْمَغُولِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْجُغْرَافِيَا وَالتَّارِيخِ بِالسُّورِ الْأَعْظَمِ، وَسَيَرِدُ وَصْفُهُ.
الْخَامِسُ: مَا
رَوَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَن النبيء صلّى الله عَلَيْهِ وَآله وسلّم خَرَجَ لَيْلَةً فَقَالَ: «وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ هَكَذَا»
، وَأَشَارَ بِعَقْدِ تِسْعِينَ (أَعْنِي بِوَضْعِ طَرَفِ السَّبَّابَةِ عَلَى طَرَفِ الْإِبْهَامِ) . وَقَدْ كَانَ زَوَالُ عَظَمَةِ سُلْطَانِ الْعَرَبِ عَلَى يَدِ الْمَغُولِ فِي بَغْدَادَ فَتَعَيَّنَ أَنَّ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ هُمُ الْمَغُولُ وَأَنَّ الرَّدْمَ الْمَذْكُورَ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الرَّدْمُ الْفَاصِلُ بَيْنَ بِلَادِ الْمَغُولِ وَبِلَادِ الصِّينِ وَبَانِيهِ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِهِمْ، وَأَنَّ وَصْفَهُ فِي الْقُرْآنِ بِذِي الْقَرْنَيْنِ تَوْصِيفٌ لَا تَلْقِيبٌ فَهُوَ مِثْلُ التَّعْبِيرِ عَنْ شَاوَلَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ بَاسِمِ طَالُوتَ. وَهَذَا الْمَلِكُ هُوَ الَّذِي بَنَى السَّدَّ الْفَاصِلَ بَيْنَ الصِّينِ وَمَنْغُولْيَا.
وَاسْمُ هَذَا الْملك (تسينشي هوانفتي) أَوْ (تسين شي هوانق تِي) . وَكَانَ مَوْجُودًا فِي حُدُودِ سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ قَبْلَ مِيلَادِ الْمَسِيحِ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ إِسْكَنْدَرَ الْمَقْدُونِيِّ بِنَحْوِ قَرْنٍ.
وَبِلَادُ الصِّينِ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ كَانَتْ مُتَدَيِّنَةً بِدِينِ (كِنْفِيشْيُوسَ) الْمُشَرِّعِ الْمُصْلِحِ، فَلَا جَرَمَ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ شَرِيعَتِهِ صَالِحِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute