وَجُمْلَةُ قالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا، لِأَنَّهُ لَمَّا آذَنَ الْكَلَامُ بِانْتِهَاءِ
حِكَايَةِ وَصْفِ الرَّدْمِ كَانَ ذَلِكَ مُثِيرًا سُؤَالَ مَنْ يَسْأَلُ: مَاذَا صَدَرَ مِنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ حِينَ أَتَمَّ هَذَا الْعَمَلَ الْعَظِيمَ؟ فَيُجَابُ بِجُمْلَةِ: قالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي.
وَالْإِشَارَةُ بِهَذَا إِلَى الرَّدْمِ، وَهُوَ رَحْمَةٌ لِلنَّاسِ لِمَا فِيهِ مِنْ رَدِّ فَسَادِ أُمَّةِ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ عَنْ أُمَّةٍ أُخْرَى صَالِحَة.
و (من) ابْتِدَائِيَّةٌ، وَجُعِلَتْ مِنَ اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ أَلْهَمَهُ لِذَلِكَ وَيَسَّرَ لَهُ مَا هُوَ صَعْبٌ.
وَفَرَّعَ عَلَيْهِ فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ نُطْقًا بِالْحِكْمَةِ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ حَادِثٍ صَائِرٌ إِلَى زَوَالٍ. وَلِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ عَمَلًا عَظِيمًا مِثْلَ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى التَّعَهُّدِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ مِنَ الِانْهِدَامِ، وَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَسَنَّى فِي بَعْضِ أَزْمَانِ انْحِطَاطِ الْمَمْلَكَةِ الَّذِي لَا مَحِيصَ مِنْهُ لِكُلِّ ذِي سُلْطَانٍ.
وَالْوَعْدُ: هُوَ الْإِخْبَارُ بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ. وَأَرَادَ بِهِ مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْأَجَلِ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ دَوَامُ ذَلِكَ الرَّدْمِ، فَاسْتَعَارَ لَهُ اسْمَ الْوَعْدِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ أَوْحَى إِلَيْهِ إِنْ كَانَ نَبِيئًا أَوْ أَلْهَمَهُ إِنْ كَانَ صَالِحًا أَنَّ لِذَلِكَ الرَّدْمِ أَجَلًا مُعَيَّنًا يَنْتَهِي إِلَيْهِ.
وَقَدْ كَانَ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ الْوَعْدِ يَوْمَ
قَالَ النبيء صلّى الله عَلَيْهِ وَآله وسلّم: «فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ ردم يَأْجُوج وماجوج هَكَذَا، وَعَقَدَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ الْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ»
كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالدَّكُّ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ لِلْمُبَالَغَةِ، أَيْ جَعَلَهُ مَدْكُوكًا، أَيْ مُسَوًّى بِالْأَرْضِ بَعْدَ ارْتِفَاعٍ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ جَعَلَهُ دَكَّاءَ بِالْمَدِّ. وَالدَّكَّاءُ: اسْمٌ لِلنَّاقَةِ الَّتِي لَا سَنَامَ لَهَا، وَذَلِكَ عَلَى التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute