للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالنَّارُ تَأْكُلُ نَفْسَهَا ... إِنْ لَمْ تَجِدْ مَا تَأْكُلُهْ

لِأَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَجِدُوا مَا اعْتَادُوهُ مِنْ غَزْوِ الْأُمَمِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُمْ رَجَعَ قَوِيُّهُمْ عَلَى ضَعِيفِهِمْ بِالِاعْتِدَاءِ.

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١) .

تَخَلُّصٌ مِنْ أَغْرَاضِ الِاعْتِبَارِ بِمَا فِي الْقِصَّةِ مِنْ إِقَامَةِ الْمَصَالِحِ فِي الدُّنْيَا عَلَى أَيْدِي مَنِ اخْتَارَهُ اللَّهُ لِإِقَامَتِهَا مِنْ خَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ، إِلَى غَرَضِ التَّذْكِيرِ بِالْمَوْعِظَةِ بِأَحْوَالِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ تَخَلُّصٌ يُؤْذِنُ بِتَشْبِيهِ حَالِ تَمَوُّجِهِمْ بِحَالِ تَمَوُّجِ النَّاسِ فِي الْمَحْشَرِ، تَذْكِيرًا لِلسَّامِعِينَ بِأَمْرِ الْحَشْرِ وَتَقْرِيبًا بِحُصُولِهِ فِي خَيَالِ الْمُشْرِكِينَ. فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَى جَمْعِ أُمَّةٍ كَامِلَةٍ وَرَاءَ هَذَا السَّدِّ، بِفِعْلِ مَنْ يَسَّرَهُ لِذَلِكَ مِنْ خَلْقِهِ، هُوَ الْأَقْدَرُ عَلَى جَمْعِ الْأُمَمِ فِي الْحَشْرِ بِقُدْرَتِهِ، لِأَنَّ مُتَعَلِّقَاتِ الْقُدْرَةِ فِي عَالَمِ الْآخِرَةِ أَعْجَبُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ أَهَمِّ أَغْرَاضِ هَذِهِ السُّورَةِ إِثْبَاتَ

الْبَعْثِ. وَاسْتُعْمِلَ الْمَاضِي مَوْضِعَ الْمُضَارِعِ تَنْبِيهًا عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ.

وَالنَّفْخُ فِي الصُّوَرِ تَمْثِيلِيَّةٌ مَكْنِيَّةٌ تَشْبِيهًا لِحَالِ الدَّاعِي الْمُطَاعِ وَحَالِ الْمَدْعُوِّ الْكَثِيرِ الْعَدَدِ السَّرِيعِ الْإِجَابَةِ، بِحَالِ الْجُنْدِ الَّذِينَ يُنَفِّذُونَ أَمْرَ الْقَائِدِ بِالنَّفِيرِ فَيَنْفُخُونَ فِي بُوقِ النَّفِيرِ، وَبِحَالِ بَقِيَّةِ الْجُنْدِ حِينَ يَسْمَعُونَ بُوقَ النَّفِيرِ فَيُسْرِعُونَ إِلَى الْخُرُوجِ. عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الصُّوَرُ مِنْ مَخْلُوقَاتِ الْآخِرَةِ.