للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زَكَرِيَّاءَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ فَقَالَ: رَبِّ إِلَخْ ...

فَرَحْمَةُ رَبِّكَ، فَكَانَ فِي تَقْدِيمِ الْخَبَرِ بِأَنَّ اللَّهَ رَحِمَهُ اهْتِمَامٌ بِهَذِهِ الْمَنْقَبَةِ لَهُ، وَالْإِنْبَاءُ بِأَنَّ اللَّهَ يَرْحَمُ مَنِ الْتَجَأَ إِلَيْهِ، مَعَ مَا فِي إِضَافَةِ رَبِّ إِلَى ضَمِيرِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى ضَمِيرِ زَكَرِيَّاءَ مِنَ التَّنْوِيهِ بِهِمَا.

وَافْتُتِحَتْ قِصَّةُ مَرْيَمَ وَعِيسَى بِمَا يَتَّصِلُ بهَا من شؤون آلِ بَيْتِ مَرْيَمَ وَكَافِلِهَا لِأَنَّ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا تَذْكِيرًا بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَامَتِهِ لأوليائه.

وزكرياء نَبِي مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ زَكَرِيَّاءُ الثَّانِي زَوْجُ خَالَةِ مَرْيَمَ، وَلَيْسَ لَهُ كِتَابٌ فِي أَسْفَارِ التَّوْرَاةِ. وَأَمَّا الَّذِي لَهُ كِتَابٌ فَهُوَ زَكَرِيَّاءُ بْنُ بَرْخِيَا الَّذِي كَانَ مَوْجُودًا فِي الْقَرْنِ السَّادِسِ قَبْلَ الْمَسِيحِ. وَقَدْ مَضَتْ تَرْجَمَةُ زَكَرِيَّاءَ الثَّانِي فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَمَضَتْ قِصَّةُ دُعَائِهِ هُنَالِكَ.

وإِذْ نَادَى رَبَّهُ ظرف ل رَحْمَتِ. أَيْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِيَّاهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ بَدَلٌ مِنْ ذِكْرُ، أَيِ اذْكُرْ ذَلِكَ الْوَقْتَ.

وَالنِّدَاءُ: أَصْلُهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِطَلَبِ الْإِقْبَالِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٩٣] وَقَوْلِهِ: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ

أُورِثْتُمُوها

فِي [سُورَةِ الْأَعْرَافِ: ٤٣] . وَيُطْلَقُ النِّدَاءُ كَثِيرًا عَلَى الْكَلَامِ الَّذِي فِيهِ طَلَبُ إِقْبَالِ الذَّاتِ لِعَمَلٍ أَوْ إِقْبَالِ الذِّهْنِ لِوَعْيِ كَلَامٍ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْحُرُوفُ الَّتِي يُفْتَتَحُ بِهَا طَلَبُ الْإِقْبَالِ حُرُوفَ النِّدَاءِ. وَيُطْلَقُ عَلَى الدُّعَاءِ بِطَلَبِ حَاجَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نِدَاءٌ لِأَنَّ شَأْنَ الدُّعَاءِ فِي الْمُتَعَارَفِ أَنْ يَكُونَ جَهْرًا. أَيْ تَضَرُّعًا لِأَنَّهُ أَوْقَعُ فِي نَفْسِ الْمَدْعُوِّ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: أَنَّ زَكَرِيَّاءَ قَالَ: يَا رَبِّ، بِصَوْتٍ خَفِيٍّ.

وَإِنَّمَا كَانَ خَفِيًّا لِأَنَّ زَكَرِيَّاءَ رَأَى أَنَّهُ أَدْخَلَ فِي الْإِخْلَاصِ مَعَ رَجَائِهِ أَنَّ اللَّهَ يُجِيبُ دَعْوَتَهُ لِئَلَّا تَكُونَ اسْتِجَابَتُهُ مِمَّا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَدْعُهُ تَضَرُّعًا وَإِنْ كَانَ التَّضَرُّعُ أَعْوَنَ عَلَى صِدْقِ