وَ (آتَيْناهُ) عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ الْقَوْلِ الْمَحْذُوفَةِ، أَيْ قُلْنَا: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ.
وَالْحُكْمُ: اسْمٌ لِلْحِكْمَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٦٩] . وَالْمُرَادُ بِهَا النُّبُوءَةُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً فِي سُورَةِ يُوسُفَ [٢٢] ، فَيَكُونُ هَذَا خُصُوصِيَّةً لِيَحْيَى أَنْ أُوتِيَ النُّبُوءَةَ فِي حَالِ صِبَاهُ. وَقِيلَ: الْحُكْمُ هُوَ الْحِكْمَةُ وَالْفَهْمُ.
وصَبِيًّا حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي وَآتَيْناهُ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ أَعْطَاهُ اسْتِقَامَةَ الْفِكْرِ وَإِدْرَاكَ الْحَقَائِقِ فِي حَالِ الصِّبَا عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَادِ، كَمَا أَعْطَى نَبِيئَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِقَامَةَ وَإِصَابَةَ الرَّأْيِ فِي صِبَاهُ. وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ يَحْيَى أُعْطِي النُّبُوءَةَ وَهُوَ صَبِيٌّ، لِأَنَّ النُّبُوءَةَ رُتْبَةٌ عَظِيمَةٌ فَإِنَّمَا تُعْطَى عِنْدَ بُلُوغِ الْأَشُدِّ. وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ يَحْيَى أُعْطِيَ النُّبُوءَةَ قَبْلَ بُلُوغِ الْأَرْبَعِينَ سَنَةً بِكَثِيرٍ. وَلَعَلَّ اللَّهَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَكُونَ شَهِيدًا فِي مُقْتَبَلِ عُمْرِهِ بَاكَرَهُ بِالنُّبُوءَةِ.
وَالْحَنَانُ: الشَّفَقَةُ. وَمِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْحَنَّانُ. وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ: حَنَانَيْكَ، أَيْ حَنَانًا مِنْكَ بَعْدَ حَنَانٍ. وَجُعِلَ حَنَانُ يَحْيَى مِنْ لَدُنِ اللَّهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ مُتَجَاوِزُ الْمُعْتَادِ بَيْنَ النَّاسِ.
وَالزَّكَاةُ: زَكَاةُ النَّفْسِ وَنَقَاؤُهَا مِنَ الْخَبَائِثِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى
أَنْ تَزَكَّى [النازعات: ١٨] أَوْ أُرِيدَ بِهَا الْبَرَكَةُ.
وَتَقِيٌّ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ، مِنِ اتَّقَى إِذَا اتَّصَفَ بِالتَّقْوَى، وَهِيَ تَجَنُّبُ مَا يُخَالِفُ الدِّينَ. وَجِيءَ فِي وَصْفِهِ بِالتَّقْوَى بِفِعْلِ كانَ تَقِيًّا لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَمَكُّنِهِ مِنَ الْوَصْفِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute