للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَنْ نَفْسِهَا، فَبَادَرَتْهُ بِالتَّعَوُّذِ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهَا مُبَادَرَةً بِالْإِنْكَارِ عَلَى مَا تَوَهَّمَتْهُ مِنْ قَصْدِهِ الَّذِي هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ أَمْثَالِهِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ.

وَجُمْلَةُ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ

خَبَرِيَّةٌ، وَلِذَلِكَ أُكِّدَتْ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ. وَالْمَعْنَى:

أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِأَنَّهَا جَعَلَتِ اللَّهَ مَعَاذًا لَهَا مِنْهُ، أَيْ جَعَلَتْ جَانِبَ اللَّهِ مَلْجَأً لَهَا مِمَّا هَمَّ بِهِ.

وَهَذِهِ مَوْعِظَةٌ لَهُ.

وَذكرهَا صفة (الرحمان) دُونَ غَيْرِهَا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ لِأَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ يَرْحَمَهَا اللَّهُ بِدَفْعِ مَنْ حَسِبَتْهُ دَاعِرًا عَلَيْهَا.

وَقَوْلُهَا إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا

تَذْكِيرٌ لَهُ بِالْمَوْعِظَةِ بِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّقِيَ رَبَّهُ.

وَمَجِيءُ هَذَا التَّذْكِيرِ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ الْمُؤْذِنِ بِالشَّكِّ فِي تَقْوَاهُ قَصْدٌ لِتَهْيِيجِ خَشْيَتِهِ، وَكَذَلِكَ اجْتِلَابُ فِعْلِ الْكَوْنِ الدَّالِّ عَلَى كَوْنِ التَّقْوَى مُسْتَقِرَّةً فِيهِ. وَهَذَا أَبْلَغُ وَعْظٍ وَتَذْكِيرٍ وَحَثٍّ عَلَى الْعَمَلِ بِتَقْوَاهُ.

وَالْقَصْرُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ

قَصْرٌ إِضَافِيٌّ، أَيْ لَسْتُ بَشَرًا، رَدًّا عَلَى قَوْلِهَا: إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا

الْمُقْتَضِي اعْتِقَادَهَا أَنَّهُ بَشَرٌ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ لِأَهَبَ

بِهَمْزَةِ الْمُتَكَلِّمِ بَعْدَ لَامِ الْعِلَّةِ. وَمَعْنَى إِسْنَادِ الْهِبَةِ إِلَى نَفْسِهِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ لِأَنَّهُ سَبَبُ هَذِهِ الْهِبَةِ. وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو، وَوَرْشٌ عَنْ نَافِعٍ لِيَهَبَ بِيَاءِ الْغَائِبِ، أَيْ لِيَهَبَ رَبُّكِ لَكِ، مَعَ أَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ فِي الْمُصْحَفِ بِأَلِفٍ. وَعِنْدِي أَنَّ قِرَاءَةَ هَؤُلَاءِ بِالْيَاءِ بَعْدَ اللَّامِ إِنَّمَا هِيَ نُطْقُ الْهَمْزَةِ الْمُخَفَّفَةِ بَعْدَ كَسْرِ اللَّامِ بِصُورَةِ نُطْقِ الْيَاءِ.

وَمُحَاوَرَتُهَا الْمَلَكَ مُحَاوَلَةٌ قَصَدَتْ بِهَا صَرْفَهُ عَمَّا جَاءَ لِأَجْلِهِ، لِأَنَّهَا عَلِمَتْ أَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ فَأَرَادَتْ مُرَاجَعَةَ رَبِّهَا فِي أَمْرٍ لَمْ تُطِقْهُ،