وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ لِلتَّعْقِيبِ الْعُرْفِيِّ، أَيْ جَاءَهَا الْمَخَاضُ بَعْدَ تَمَامِ مُدَّةِ الْحَمْلِ، قِيلَ بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ مِنْ حَمْلِهَا.
وأجاءها مَعْنَاهُ أَلْجَأَهَا، وَأَصْلُهُ جَاءَ، عُدِّيَ بِالْهَمْزَةِ فَقِيلَ: أَجَاءَهُ، أَيْ جَعَلَهَ جَائِيًا. ثُمَّ أُطْلِقَ مَجَازًا عَلَى إِلْجَاءِ شَيْءٍ شَيْئًا إِلَى شَيْءٍ، كَأَنَّهُ يَجِيءُ بِهِ إِلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَيَضْطَرُّهُ إِلَى الْمَجِيءِ إِلَيْهِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: أَصْلُهُ مِنْ جِئْتُ وَقَدْ جَعَلَتْهُ الْعَرَبُ إِلْجَاءً. وَفِي الْمَثَلِ «شَرٌّ مَا يُجِيئُكَ إِلَى مُخَّةِ عُرْقُوبٍ» . وَقَالَ زُهَيْرٌ:
وَجَارٍ سَارَ مُعْتَمِدًا إِلَيْنَا ... أَجَاءَتْهُ الْمَخَافَةُ وَالرَّجَاءُ
وَالْمَخَاضُ- بِفَتْحِ الْمِيمِ-: طَلْقُ الْحَامِلِ، وَهُوَ تَحَرُّكُ الْجَنِينِ لِلْخُرُوجِ.
وَالْجِذْعُ- بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ-: الْعُودُ الْأَصْلِيُّ لِلنَّخْلَةِ الَّذِي يَتَفَرَّعُ مِنْهُ الْجَرِيدُ. وَهُوَ مَا بَيْنَ الْعُرُوقِ وَالْأَغْصَانِ، أَيْ إِلَى أَصْلِ نَخْلَةٍ اسْتَنَدَتْ إِلَيْهِ.
وَجُمْلَةُ قالَتْ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ، لِأَنَّ السَّامِعَ يَتَشَوَّفُ إِلَى مَعْرِفَةِ حَالِهَا عِنْدَ إِبَّانِ وَضْعِ حَمْلِهَا بَعْدَ مَا كَانَ أَمْرُهَا مُسْتَتِرًا غَيْرَ مَكْشُوفٍ بَيْنَ النَّاسِ وَقَدْ آنَ أَنْ يَنْكَشِفَ، فَيُجَابُ السَّامِعُ بِأَنَّهَا تَمَنَّتِ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَلِكَ فَهِيَ فِي حَالَةٍ مِنَ الْحُزْنِ تَرَى أَنَّ الْمَوْتَ أَهْوَنُ عَلَيْهَا مِنَ الْوُقُوعِ فِيهَا.
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَقَامِ صَبْرِهَا وَصِدْقِهَا فِي تَلَقِّي الْبَلْوَى الَّتِي ابْتَلَاهَا اللَّهُ تَعَالَى فَلِذَلِكَ كَانَتْ فِي مَقَامِ الصِّدِّيقِيَّةِ.
وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهَا قَبْلَ هَذَا هُوَ الْحَمْلُ. أَرَادَتْ أَنْ لَا يُتَطَرَّقَ عِرْضُهَا بِطَعْنٍ وَلَا تَجُرَّ عَلَى أَهْلِهَا مَعَرَّةً. وَلَمْ تَتَمَنَّ أَنْ تَكُونَ مَاتَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute