للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَوْ كَانَتْ فِيهِ كَفَّارَةٌ لَأَمَرَهُ بِهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ عَمَلٌ لَا اعْتِدَادَ بِهِ بِوَجْهٍ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ أَوْمَأَ إِلَى عِلَّةِ عَدَمِ انْعِقَادِ النَّذْرِ بِهِ

بِقَوْلِهِ: «إِنَّ اللَّهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ» .

فَعَلِمْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ أَنْ تَكُونَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنَى يُكْسِبُ النَّفْسَ تَزْكِيَةً وَيَبْلُغُ بِهَا إِلَى غَايَةٍ مَحْمُودَةٍ مِثْلَ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ، فَيُحْتَمَلُ مَا فِيهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ لِأَجْلِ الْغَايَةِ السَّامِيَةِ، وَلَيْسَتِ الْعِبَادَةُ بِانْتِقَامٍ مِنَ اللَّهِ لِعَبْدِهِ وَلَا تَعْذِيبٍ لَهُ كَمَا كَانَ أَهْلُ الضَّلَالِ يَتَقَرَّبُونَ بِتَعْذِيبِ نُفُوسِهِمْ، وَكَمَا شُرِعَ فِي بَعْضِ الْأَدْيَانِ التَّعْذِيبُ الْقَلِيلُ لِخَضْدِ جَلَافَتِهِمْ.

وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ [الْحَج: ٣٦- ٣٧] ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْسَبُونَ أَنَّ الْقُرْبَةَ إِلَى اللَّهِ فِي الْهَدَايَا أَنْ يُرِيقُوا دِمَاءَهَا وَيَتْرُكُوا لُحُومَهَا مُلْقَاةً لِلْعَوَافِي.

وَفِي «الْبُخَارِيِّ» : عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ فَقَالَ: مَا بَالُ هَذَا؟ قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ. قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ. وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ»

، فَلَمْ يَرَ لَهُ فِي الْمَشْيِ فِي الطَّوَافِ قُرْبَةً.

وَفِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ رَبَطَ يَدَهُ إِلَى إِنْسَانٍ بِسَيْرٍ أَوْ بِخَيْطٍ أَوْ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَطَعَهُ النَّبِيءُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: قده بِيَدِهِ»

. و