وَجُمْلَةُ قالُوا يَا مَرْيَمُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا. وَقَالَ قَوْمُهَا هَذِهِ الْمَقَالَةَ تَوْبِيخًا لَهَا.
وَفَرِيٌّ: فَعِيلٌ مِنْ فَرَى مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ. وَلِهَذَا اللَّفْظِ عِدَّةُ إِطْلَاقَاتٍ، وَأَظْهَرُ مَحَامِلِهِ هُنَا أَنَّهُ الشَّنِيعُ فِي السُّوءِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ، وَهُوَ جَاءَ مِنْ مَادَّةِ افْتَرَى إِذَا كُذِّبَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَنْسِبُ وَلَدَهَا الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ مِنْ زِنًى إِلَى زَوْجِهَا كَذِبًا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ [الممتحنة: ١٢] .
وَمِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْفَرِيَّ وَالْفِرْيَةَ مُشْتَقَّانِ مِنَ الْإِفْرَاءِ بِالْهَمْزِ، وَهُوَ قَطْعُ الْجَلْدِ لِإِفْسَادِهِ أَوْ لِتَحْرِيقِهِ، تَفْرِقَةً بَيْنَ أَفْرَى وَفَرَى، وَأَنَّ فَرَى الْمُجَرَّدَ لِلْإِصْلَاحِ.
وَالْأُخْتُ: مُؤَنَّثُ الْأَخِ، اسْمٌ يُضَافُ إِلَى اسْمٍ آخَرَ، فَيُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلَى ابْنَةِ أَبَوَيْ مَا
أُضِيفَتْ إِلَى اسْمِهِ أَوِ ابْنَةِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ. وَيُطْلَقُ عَلَى مَنْ تَكُونُ مِنْ أَبْنَاءِ صَاحِبِ الِاسْمِ الَّذِي تُضَافُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ اسْمَ قَبِيلَةٍ كَقَوْلِهِمْ: يَا أَخَا الْعَرَبِ، كَمَا فِي حَدِيثِ ضَيْفِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَوْلُهُ لِزَوْجِهِ: «يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ مَا هَذَا؟» ، فَإِذَا لَمْ يُذْكَرْ لَفْظُ (بَنِي) مُضَافًا إِلَى اسْمِ جَدِّ الْقَبِيلَةِ كَانَ مُقَدَّرًا، قَالَ سَهْلُ بْنُ مَالِكٍ الْفَزَارِيُّ:
يَا أُخْتَ خَيْرِ الْبَدْوِ وَالْحَضَارَةْ ... كَيْفَ تَرَيْنَ فِي فَتَى فَزَارَةْ
يُرِيدُ يَا أُخْتَ أَفْضَلِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ مِنْ بَدْوِهَا وَحَضَرِهَا.
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أُخْتَ هارُونَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، فَيَكُونَ لِمَرْيَمَ أَخٌ اسْمُهُ هَارُونُ كَانَ صَالِحًا فِي قَوْمِهِ، خَاطَبُوهَا بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ زِيَادَةً فِي التَّوْبِيخِ، أَيْ مَا كَانَ لِأُخْتِ مِثْلِهِ أَنْ تَفْعَلَ فِعْلَتَكَ، وَهَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ. فَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» وَغَيْرِهِ عَنِ الْمُغِيرَةِ ابْن شُعْبَةَ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ فَقَالُوا: أَرَأَيْتَ مَا تَقْرَءُونَ يَا أُخْتَ هارُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute