للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَدِينُ الصَّابِئَةِ كَانَ مَعْرُوفًا لِلْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، بِسَبَبِ جِوَارِ بِلَادِ الصَّابِئَةِ فِي الْعِرَاقِ وَالشَّامِ لِمَنَازِلِ بَعْضِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ مِثْلَ دِيَارِ بَكْرٍ وَبِلَادِ الْأَنْبَاطِ الْمُجَاوِرَةِ لِبِلَادِ تَغْلِبَ وَقُضَاعَةَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصفه الْمُشْركُونَ بالصابىء، وَرُبَّمَا دَعَوْهُ بِابْنِ أَبِي كَبْشَةَ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَجْدَادِ آمِنَةَ الزُّهْرِيَّةِ أُمِّ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ أَظْهَرَ عِبَادَةَ الْكَوَاكِبِ فِي قَوْمِهِ فَزَعَمُوا أَنَّ النَّبِيءَ وَرِثَ ذَلِكَ مِنْهُ وَكَذَبُوا. وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي سَفَرٍ مَعَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونفد دِمَاؤُهُمْ فَابْتَغَوُا الْمَاءَ فَلَقَوُا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ عَلَى بَعِيرٍ فَقَالُوا لَهَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَتِ: الَّذِي يُقَال لَهُ الصابىء قَالُوا: هُوَ الَّذين تَعْنِينَ. وَسَاقَ حَدِيثَ تَكْثِيرِ الْمَاءِ.

وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْمُسْلِمِينَ الصُّبَاةَ كَمَا وَرَدَ فِي خَبَرِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ صَدِيقًا لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَكَانَ سَعْدٌ إِذَا مَرَّ بِمَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ انْطَلَقَ سَعْدٌ ذَاتَ يَوْمٍ مُعْتَمِرًا فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ وَقَالَ لِأُمَيَّةَ: انْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَخَرَجَ بِهِ فَلَقِيَهُمَا أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ لِأُمَيَّةَ يَا أَبَا صَفْوَانَ مَنْ هَذَا مَعَكَ قَالَ:

سَعْدٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: أَلَا أَرَاكَ تَطُوفُ بِمَكَّةَ آمِنًا وَقَدْ آوَيْتُمُ الصُّبَاةَ.

وَفِي حَدِيثِ غَزْوَةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى جُذَيْمَةَ أَنَّهُ عَرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ أَوِ السَّيْفَ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا فَقَالُوا: صَبَأْنَا، الْحَدِيثَ.

وَقَدْ قِيلَ إِنَّ قَوْمًا مِنْ تَمِيمٍ عَبَدُوا نَجْمَ الدَّبَرَانِ، وَأَنَّ قَوْمًا مِنْ لَخْمٍ وَخُزَاعَةَ عَبَدُوا الشِّعْرَى الْعَبَورَ، وَهُوَ مِنْ كَوَاكِبَ بُرْجِ الْجَوْزَاءِ فِي دَائِرَةِ السَّرَطَانِ، وَأَنَّ قَوْمًا مِنْ كِنَانَةَ عَبَدُوا الْقَمَرَ فَظَنَّ الْبَعْضُ أَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا صَابِئَةً وَأَحْسَبُ أَنَّهُمْ تَلَقَّفُوا عِبَادَةَ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ عَنْ سُوءِ تَحْقِيقٍ فِي حَقَائِقِ دِينِ الصَّابِئَةِ وَلَمْ يَجْزِمِ الزَّمَخْشَرِيُّ بِأَنَّ فِي الْعَرَبِ صَابِئَةً فَإِنَّهُ قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ [٣٧] فُصِّلَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ قَالَ: لَعَلَّ نَاسًا مِنْهُمْ كَانُوا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ كَالصَّابِئِينَ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ فِي إِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الصَّابِئَةِ، فَعَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمْ طَائِفَةٌ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالْمَجُوسِ، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هُمْ قَوْمٌ بَيْنَ النَّصَارَى وَالْمَجُوسِ فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَلْحَقَهُمْ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَلْحَقُهُمْ بِالْمَجُوسِ، وَسَبَبُ هَذَا الِاضْطِرَابِ هُوَ اشْتِبَاهُ