وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ
فِي أَوَّلِ قِصَّةِ مَرْيَمَ [١٦] .
والصِّدِّيقُ- بِتَشْدِيدِ الدَّالِ- صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ فِي الِاتِّصَافِ، مِثْلُ الْمَلِكِ الضِّلِّيلِ لَقَبِ امْرِئِ الْقَيْسِ، وَقَوْلِهِمْ: رَجُلٌ مِسِّيكٌ: أَيْ شَحِيحٌ، وَمِنْهُ طَعَامٌ حِرِّيفٌ، وَيُقَالُ: دَلِيل خرّيت، إِذا كَانَ ذَا حِذْقٍ بِالطُّرُقِ الْخَفِيَّةِ فِي الْمَفَاوِزِ، مُشْتَقًّا مِنَ الْخَرْتِ وَهُوَ ثَقْبُ الشَّيْءِ كَأَنَّهُ يَثْقُبُ الْمَسْدُودَاتِ بِبَصَرِهِ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ [يُوسُف: ٤٦] .
وُصِفَ إِبْرَاهِيمُ بِالصِّدِّيقِ لِفَرْطِ صِدْقِهِ فِي امْتِثَالِ مَا يُكَلِّفُهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَصُدُّهُ عَنْ ذَلِكَ مَا قَدْ يَكُونُ عُذْرًا لِلْمُكَلَّفِ مِثْلَ مُبَادَرَتِهِ إِلَى مُحَاوَلَةِ ذَبْحِ وَلَدِهِ حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي وَحْيِ الرُّؤْيَا، فَالصِّدْقُ هُنَا بِمَعْنَى بُلُوغِ نِهَايَةِ الصِّفَةِ فِي الْمَوْصُوفِ بِهَا، كَمَا فِي قَوْلِ تَأَبَّطَ شَرًّا:
إِنِّي لَمُهْدٍ مِنْ ثَنَائِي فَقَاصِدٌ ... بِهِ لِابْنِ عَمِّ الصِّدْقِ شَمْسِ بْنِ مَالِكِ
وَتَأْكِيدُ هَذَا الْخَبَرِ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ وَبِإِقْحَامِ فِعْلِ الْكَوْنِ لِلِاهْتِمَامِ بِتَحْقِيقِهِ زِيَادَةً فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِلِاهْتِمَامِ بِذِكْرِهِ فِي التِّلَاوَةِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَالْبدل، فَإِن (إِذْ) اسْمُ زَمَانٍ وَقَعَ بَدَلًا مِنْ إِبْرَاهِيمَ، أَيِ اذْكُرْ ذَلِكَ خُصُوصًا مِنْ أَحْوَالِ إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ أَهَمُّ مَا يُذْكَرُ فِيهِ لِأَنَّهُ مَظْهَرُ صِدِّيقِيَّتِهِ إِذْ خَاطَبَ أَبَاهُ بِذَلِكَ الْإِنْكَارِ.
وَالنَّبِيءُ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، مِنْ أَنْبَأَهُ بِالْخَبَرِ. وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ مُنَبَّأٌ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوَحْيِ. وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيءُ مُرْسَلًا لِلتَّبْلِيغِ، وَهُوَ مَعْنًى شَرْعِيٌّ، فَالنَّبِيءُ فِيهِ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ. وَتَقَدَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute