للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَا يَخْفَى قُرْبُ الْحُرُوفِ الْأُولَى فِي هَذَا الِاسْمِ مِنْ حُرُوف إِدْرِيس، فَلَعَلَّ الْعَرَبَ اخْتَصَرُوا الِاسْمَ لِطُولِهِ فَاقْتَصَرُوا عَلَى أَوَّلِهِ مَعَ تَغْيِيرٍ.

وَكَانَ إِدْرِيسُ نَبِيئًا، فَفِي الْإِصْحَاحِ الْخَامِسِ مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ «وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللَّهِ» .

قِيلَ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ لِلْبَشَرِ عِمَارَةَ الْمُدُنِ، وَقَوَاعِدَ الْعِلْمِ، وَقَوَاعِدَ التَّرْبِيَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْخَطَّ، وَعِلْمَ الْحِسَابِ بِالنُّجُومِ وَقَوَاعِدَ سَيْرِ الْكَوَاكِبِ، وَتَرْكِيبَ الْبَسَائِطِ بِالنَّارِ فَلِذَلِكَ كَانَ عِلْمُ الْكِيِمْيَاءِ يُنْسَبُ إِلَيْهِ، وَأَوَّلُ مَنْ عَلَّمَ النَّاسَ الْخِيَاطَةَ. فَكَانَ هُوَ مَبْدَأَ مَنْ وَضَعَ الْعُلُومَ، وَالْحَضَارَةَ، وَالنُّظُمَ الْعَقْلِيَّةَ.

فَوَجْهُ تَسْمِيَتِهِ فِي الْقُرْآنِ بِإِدْرِيسَ أَنَّهُ اشْتُقَّ لَهُ اسْمٌ من الْفرس على وَزْنٌ مُنَاسِبٌ لِلْأَعْلَامِ الْعَجَمِيَّةِ، فَلِذَلِكَ مُنِعَ مِنَ الصَّرْفِ مَعَ كَوْنِ حُرُوفِهِ مِنْ مَادَّةٍ عَرَبِيَّةٍ، كَمَا مُنِعَ إِبْلِيسُ مِنَ الصَّرْفِ، وَكَمَا مُنِعَ طَالُوتُ مِنَ الصَّرْفِ.

وَتَقَدَّمَ اخْتِلَافُ الْقُرَّاءِ فِي لَفْظِ نَبِيئًا عِنْدَ ذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ.

وَقَوْلُهُ وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا قَالَ جمَاعَة مِنَ الْمُفَسِّرِينَ هُوَ رَفْعٌ مَجَازِيٌّ. وَالْمُرَادُ:

رَفَعُ الْمَنْزِلَةِ، لِمَا أُوتِيَهُ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي فَاقَ بِهِ عَلَى مَنْ سَلَفَهُ. وَنُقِلَ هَذَا عَنِ الْحَسَنِ. وَقَالَ بِهِ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هُوَ رَفْعٌ حَقِيقِيٌّ إِلَىِ السَّمَاءِ، وَفِي الْإِصْحَاحِ الْخَامِسِ مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ «وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللَّهِ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ اللَّهَ أَخَذَهُ» ، وَعَلَى هَذَا فَرَفْعُهُ مِثْلُ رَفْعِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ نَزْعِ رُوحِهِ وَرَوْحَنَةِ جُثَّتِهِ. وَمِمَّا يُذْكَرُ عَنْهُ أَنَّهُ بَقِيَ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً لَا يَنَامُ وَلَا يَأْكُلُ حَتَّى تَرَوْحَنَ، فَرُفِعَ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْإِسْرَاءِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِهَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ عِدَّةَ أَنْبِيَاءَ غَيْرَهُ وُجِدُوا فِي السَّمَاوَاتِ. وَوَقَعَ

فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ عَنِ الْإِسْرَاءِ بِالنَّبِيءِ