وَالْمَذْكُورُ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ هُوَ مَضْمُونُ قَوْلِهِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَقَوْلِهِ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْسَنُ جَزَاءٍ عَلَى مَا قَدَّمُوهُ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَمَنْ أُعْطَوْهُ مِنْ مَزَايَا النُّبُوءَةِ والصِّدِيقِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا. وَتِلْكَ وَإِنْ كَانَتْ نِعَمًا وَهِدَايَةً وَاجْتِبَاءً فَقَدْ زَادَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِإِسْنَادِ تِلْكَ الْعَطَايَا إِلَىِ اللَّهِ تَعَالَى تَشْرِيفًا لَهَا، فَكَانَ ذَلِكَ التَّشْرِيفُ هُوَ الْجَزَاءُ عَلَيْهَا إِذْ لَا أَزْيَدُ مِنَ الْمُجَازَى عَلَيْهِ إِلَّا تَشْرِيفُهُ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مِنَ النَّبِيِّينَ بِيَاءَيْنِ بَعْدَ الْمُوَحَّدَةِ. وَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَحْدَهُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمُوَحَّدَةِ.
وَجُمْلَةُ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ مُسْتَأْنَفَةٌ دَالَّةٌ عَلَى شُكْرِهِمُ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِمُ وَتَقْرِيبِهِ إِيَّاهُمُ بِالْخُضُوعِ لَهُ بِالسُّجُودِ عِنْدَ تِلَاوَةِ آيَاتِهِ وَبِالْبُكَاءِ.
وَالْمُرَادُ بِهِ الْبُكَاءُ النَّاشِئُ عَنِ انْفِعَالِ النَّفْسِ انْفِعَالًا مُخْتَلِطًا مِنَ التَّعْظِيمِ وَالَخَوْفِ.
وسُجَّداً جَمْعُ سَاجِدٍ. وَبُكِيًّا جَمْعُ بَاكٍ. وَالْأَوَّلُ بِوَزْنِ فُعَّلَ مِثْلُ عُذَّلٍ، وَالثَّانِي وَزَنُهُ فُعُولٌ جَمْعُ فَاعِلٍ مِثْلُ قَوْمٍ قعُود، وَهُوَ يائي لِأَنَّ فِعْلَهُ بَكَى يَبْكِي، فَأَصْلُهُ: بُكُويٌّ. فَلَمَّا اجْتَمَعَ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ وَحُرِّكَتْ عَيْنُ الْكَلِمَةِ بِحَرَكَةٍ مُنَاسِبَةٍ لِلْيَاءِ. وَهَذَا الْوَزْنُ سَمَاعِيُّ فِي جَمْعِ فَاعِلٍ وَمِثْلِهِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ مَوَاضِعِ سُجُودِ الْقُرْآنِ الْمَرْوِيَّةِ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتِدَاءً بِأُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءِ فِي السُّجُودِ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، فَهُمْ سَجَدُوا كَثِيرًا عِنْدَ تِلَاوَةِ آيَاتِ اللَّهِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِمُ، وَنَحْنُ نَسْجُدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute