وَلَفْظُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَشْمَلُ طَبَقَاتٍ وَقُرُونًا كَثِيرَةً، لَيْسَ قَيْدًا لِأَنَّ الْخَلَفَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَصْلِهِ وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِاسْتِحْضَارِ ذَهَابِ الصَّالِحِينَ.
وَالْإِضَاعَةُ: مَجَازٌ فِي التَّفْرِيطِ بِتَشْبِيهِهِ بِإِهْمَالِ الْعَرَضِ النَّفِيسِ، فَرَّطُوا فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَاتَّبَعُوا شَهَوَاتِهِمْ فَلَمْ يُخَالِفُوا مَا تَمِيلُ إِلَيْهِ أَنْفُسُهُمْ مِمَّا هُوَ فَسَادٌ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا فِي سُورَة الْكَهْفِ [٣٠] .
وَالصَّلَاةُ: عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ.
وَهَذَانِ وَصْفَانِ جَامِعَانِ لِأَصْنَافِ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ، فَالشِّرْكُ إِضَاعَةٌ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّهُ انْصِرَافٌ عَنِ الْخُضُوعِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَالْمُشْرِكُونَ أَضَاعُوُا الصَّلَاةَ تَمَامًا، قَالَ تَعَالَى: قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر: ٤٣] . وَالشِّرْكُ: اتِّبَاعٌ لِلشَّهَوَاتِ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ اتَّبَعُوا عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ لِمُجَرَّدِ الشَّهْوَةِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَهَؤُلَاء هم الْمَقْصُود هُنَا، وَغَيْرُ الْمُشْرِكِينَ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَرَّطُوا فِي صَلَوَاتٍ وَاتَّبَعُوا شَهَوَاتٍ ابْتَدَعُوهَا، وَيَشْمَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ اسْمُ الْغَيِّ.
وَالْغَيُّ: الضَّلَالُ، وَيُطْلَقُ عَلَىِ الشَّرِّ، كَمَا أُطْلِقَ ضِدُّهُ وَهُوَ الرُّشْدُ عَلَىِ الْخَيْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً [الجنّ: ١٠] وَقَوْلِهِ قُلْ إِنِّي لَا
أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً
[الجنّ: ٢١] . فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ جَزَاءَ غَيِّهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً [الْفرْقَان: ٦٨] أَي جَزَاءِ الْآثَامِ. وَتَقَدَّمَ الْغَيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ وَقَوْلِهِ وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا كِلَاهُمَا فِي سُورَة الْأَعْرَاف [٢٠٢ و١٤٦] . وَقَرِينَةُ ذَلِكَ مُقَابَلَتُهُ فِي ضِدِّهِمْ بِقَوْلِهِ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute