وَالْبَاءُ فِي بِالْغَيْبِ لِلظَّرْفِيَّةِ، أَيْ وَعَدَهَا إِيَّاهُمْ فِي الْأَزْمِنَةِ الْغَائِبَةِ عَنْهُمْ. أَيْ فِي
الْأَزَلِ إِذْ خَلَقَهَا لَهُمْ. قَالَ تَعَالَى: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمرَان: ١٣٣] . وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَحْجُوبَةً عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهَا مُهَيِّئَةٌ لَهُمْ.
وَجُمْلَةُ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ أَي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَعَدًا مِنَ اللَّهِ وَاقِعًا. وَهَذَا تَحْقِيقٌ لِلْبِشَارَةِ.
وَالْوَعْدُ: هُنَا مَصْدَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ. وَهُوَ مِنْ بَابِ كَسَا، فَاللَّهُ وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ جَنَّاتِ عَدْنٍ. فَالْجَنَّاتُ لَهُمْ مَوْعُودَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ.
وَالْمَأْتِيُّ: الَّذِي يَأْتِيهِ غَيْرُهُ. وَقَدِ اسْتُعِيرُ الْإِتْيَانُ لِحُصُولِ الْمَطْلُوبِ الْمُتَرَقَّبِ، تَشْبِيهًا لِمَنْ يُحَصِّلُ الشَّيْءَ بَعْدَ أَنْ سَعَى لِتَحْصِيلِهِ بِمَنْ مَشَى إِلَى مَكَانٍ حَتَّى أَتَاهُ. وَتَشْبِيهًا لِلشَّيْءِ الْمُحَصَّلِ بِالْمَكَانِ الْمَقْصُودِ. فَفِي قَوْلِهِ مَأْتِيًّا تَمْثِيلِيَّةٌ اقْتُصِرَ مِنْ أَجْزَائِهَا عَلَى إِحْدَى الْهَيْئَتَيْنِ، وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ الْهَيْئَةَ الْأُخْرَى لِأَنَّ الْمَأْتِيَّ لَا بُدَّ لَهُ مَنْ آتٍ.
وَجُمْلَةُ لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً حَالٌ مِنْ عِبادَهُ.
وَاللَّغْوُ: فُضُولُ الْكَلَامِ وَمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ. وإِنْفَاؤُهُ كِنَايَةٌ عَنِ انْتِفَاءِ أَقَلِّ الْمُكَدِّرَاتِ فِي الْجَنَّةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً [الغاشية: ١١] ، وَكِنَايَةٌ عَنْ جَعْلِ مُجَازَاةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ بِضِدِّ مَا كَانُوا يُلَاقُونَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ وَلَغْوِهِمْ.
وَقَوْلُهُ إِلَّا سَلاماً اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَهُوَ مَجَازٌ مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute