وَلِكَوْنِهَا حَرْفَ رَدْعٍ أَفَادَتْ مَعْنًى تَامًا يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ. فَلِذَلِكَ جَازَ الْوَقْفُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمَنَعَ الْمُبَرِّدُ الْوَقْفَ عَلَيْهَا بِنَاءً على أَنَّهَا لَا بُد أَنْ تُتْبَعَ بِكَلَامٍ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَوَاقِعُهَا أَرْبَعَةٌ:
- مُوَقِعٌ يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَالِابْتِدَاءُ بِهَا كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
- وموقع يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَلَا يَحْسُنُ الِابْتِدَاءُ بِهَا كَقَوْلِهِ: فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ قالَ كَلَّا فَاذْهَبا [الشُّعَرَاء: ١٤، ١٥] .
- وَمُوقِعٌ يَحْسُنُ فِيهِ الِابْتِدَاءُ بِهَا وَلَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ [عبس: ١١] .
- وموقع لَا يَحْسُنُ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَمْرَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ [التكاثر: ٤] .
وَكَلَامُ الْفَرَّاءِ يُبَيِّنُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَبَيْنَ الْمُبَرِّدِ لَفْظِيُّ لِأَنَّ الْوَقْفَ أَعَمُّ مِنَ السُّكُوتِ التَّامِّ.
وَحَرْفُ التَّنْفِيسِ فِي قَوْلِهِ سَنَكْتُبُ لِتَحْقِيقِ أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي [يُوسُف: ٩٨] .
وَالْمَدُّ فِي الْعَذَابِ: الزِّيَادَةُ مِنْهُ، كَقَوْلِهِ: فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا [مَرْيَم: ٧٥] .
وَمَا يَقُولُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِيجَازٌ، لِأَنَّهُ لَوْ حَكَيَ كَلَامَهُ لَطَالَ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ [آل عمرَان: ١٨٣] ، أَيْ وَبِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ، أَيْ مَا قَالَهُ مِنَ الْإِلْحَادِ وَالتَّهَكُّمِ بِالْإِسْلَامِ، وَمَا قَالَهُ مِنَ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، أَيْ سَنَكْتُبُ جَزَاءَهُ وَنُهْلِكُهُ فَنَرِثُهُ مَا سَمَّاهُ مِنَ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، أَيْ نَرِثُ أَعْيَانَ مَا ذَكَرَ أَسْمَاءَهُ، إِذْ لَا يُعْقَلُ أَنْ يُورَثَ عَنْهُ قَوْلُهُ وَكَلَامُهُ. فَ مَا يَقُولُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ ضَمِيرِ النَّصْبِ فِي نَرِثُهُ، إِذِ التَّقْدِيرُ: وَنَرِثُ وَلَدَهُ وَمَالَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute