للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالنَّعْلَانِ: جِلْدَانِ غَلِيظَانِ يُجْعَلَانِ تَحْتَ الِرِّجْلِ وَيُشَدَّانِ بِرِبَاطٍ مِنْ جِلْدٍ لِوِقَايَةِ الرِّجْلِ أَلَمَ الْمَشْيِ عَلَى التُّرَابِ وَالْحَصَى، وَكَانَتِ النَّعْلَ تُجْعَلُ عَلَى مِثَالِ الرِّجْلِ.

وَإِنَّمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ تَعْظِيمًا مِنْهُ لِذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي سَيَسْمَعُ فِيهِ الْكَلَامَ الْإِلَهِيَّ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ (١) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَتْ نَعْلَاهُ مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ»

. أَقُولُ: وَفِيهِ أَيْضًا زِيَادَةُ خُشُوعٍ. وَقَدِ اقْتَضَى كِلَا الْمَعْنِيِّينِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ فَحَرْفُ التَّوْكِيدِ مُفِيدٌ هُنَا التَّعْلِيلَ كَمَا هُوَ شَأْنُهُ فِي كُلِّ مَقَامٍ لَا يَقْتَضِي التَّأْكِيدَ.

وَهَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ مِنْ جِهَاتٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا حُكْمٌ يَقْتَضِي نَزْعَ النَّعْلِ عِنْدَ الصَّلَاةِ.

وَالْوَادِ: الْمَفْرَجُ بَيْنَ الْجِبَالِ وَالتِّلَالِ. وَأَصْلُهُ بِيَاءٍ فِي آخِرِهِ. وَكَثُرَ تَخْفِيفُهُ بِحَذْفِ الْيَاءِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَإِذَا ثُنِّيَ لَزِمَتْهُ الْيَاءُ يُقَالُ: وَادِيَانِ وَلَا يُقَالُ وَادَانِ. وَكَذَلِكَ إِذَا

أُضِيفَ يُقَالُ: بِوَادِيكَ وَلَا يُقَالُ بِوَادِكَ.

وَالْمُقَدَّسُ: الْمُطَهَّرُ الْمُنَزَّهُ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنُقَدِّسُ لَكَ فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ [٣٠] . وَتَقْدِيسُ الْأَمْكِنَةِ يَكُونُ بِمَا يَحِلُّ فِيهَا مِنَ الْأُمُورِ الْمُعَظَّمَةِ وَهُوَ هُنَا حُلُولُ الْكَلَامِ الْمُوَجَّهِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى طُوىً وَهُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ وَبِكَسْرِهَا، وَلَمْ يُقْرَأْ فِي الْمَشْهُورِ إِلَّا بِضَمِّ الطَّاءِ، فَقِيلَ: اسْمٌ لِذَلِكَ الْمَكَانِ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ مِثْلُ هُدًى، وُصِفَ بِالْمَصْدَرِ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، أَيْ طَوَاهُ مُوسَى بِالسَّيْرِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ:

إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ الَّذِي طَوَيْتَهُ سَيْرًا، فَيَكُونُ الْمَعْنَى تَعْيِينُ أَنَّهُ هُوَ ذَلِكَ الْوَادِ.


(١) فِي لبس الصُّوف من كتاب اللبَاس.