للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفُرِّعَ عَلَى كَوْنِهَا آتِيَةً وَأَنَّهَا مُخْفَاةٌ التَّحْذِيرُ مِنْ أَنْ يَصُدَّهُ عَنِ الْإِيمَانِ بِهَا قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ بِوُقُوعِهَا اغْتِرَارًا بِتَأَخُّرِ ظُهُورِهَا، فَالتَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِ أَكادُ أُخْفِيها أَوْقَعُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْإِخْفَاءَ هُوَ الَّذِي يُشَبِّهُ بِهِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا الْبَعْثَ عَلَى النَّاسِ، قَالَ تَعَالَى: فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً [الْإِسْرَاء: ٥١] وَقَالَ: وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [الجاثية: ٣٢] .

وَصِيغَ نَهْيُ مُوسَى عَنِ الصَّدِّ عَنْهَا فِي صِيغَةِ نَهْيِ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالسَّاعَةِ عَنْ أَنْ يُصَدَّ مُوسَى عَنِ الْإِيمَانِ بِهَا، مُبَالَغَةً فِي نَهْيِ مُوسَى عَنْ أَدْنَى شَيْءٍ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ بِالسَّاعَةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَّهَ الْكَلَامَ إِلَيْهِ وَكَانَ النَّهْيُ نَهْيَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ عَنْ أَنْ يَصُدَّ مُوسَى، عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ نَهْيُ مُوسَى عَنْ مُلَابَسَةِ صَدِّ الْكَافِرِ عَنِ الْإِيمَانِ بِالسَّاعَةِ، أَيْ لَا تَكُنْ لَيِّنَ الشَّكِيمَةِ لِمَنْ يَصُدَّكَ وَلَا تُصْغِ إِلَيْهِ فَيَكُونُ لِينُكَ لَهُ مُجَرِّئًا إِيَّاهُ عَلَى أَنْ يَصُدَّكَ، فَوَقَعَ النَّهْيُ عَنِ الْمُسَبَّبِ. وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنِ السَّبَبِ، وَهَذَا الْأُسْلُوبُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِمْ: لَا أَعْرِفَنَّكَ تَفْعَلُ كَذَا وَلَا أَرَيَنَّكَ هَاهُنَا.

وَزِيَادَةُ وَاتَّبَعَ هَواهُ لِلْإِيمَاءِ بِالصِّلَةِ إِلَى تَعْلِيلِ الصَّدِّ، أَيْ لَا دَاعِيَ لَهُمْ لِلصَّدِّ عَنِ الْإِيمَانِ بِالسَّاعَةِ إِلَّا اتِّبَاعَ الْهَوَى دُونَ دَلِيلٍ وَلَا شُبْهَةٍ، بَلِ الدَّلِيلُ يَقْتَضِي الْإِيمَانَ بِالسَّاعَةِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى.

وَفُرِّعَ عَلَى النَّهْيِ أَنَّهُ إِنْ صُدَّ عَنِ الْإِيمَانِ بِالسَّاعَةِ رَدِيَ، أَيْ هَلَكَ. وَالْهَلَاكُ مُسْتَعَارٌ لِأَسْوَأِ الْحَالِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي سُورَةِ بَرَاءَة [٤٢] .

والتفريع ناشىء عَن ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ لَا عَلَى النَّهْيِ، وَلِذَلِكَ جِيءَ بِالتَّفْرِيعِ بِالْفَاءِ وَلَمْ يَقَعْ بِالْجَزَاءِ الْمَجْزُومِ، فَلَمْ يَقُلْ: تَرْدَ، لِعَدَمِ صِحَّةِ