يَخْرُجُ شُيُوخُهَا وَيُخْرِجُونَ عِجْلَةً مِنَ الْبَقَرِ لَمْ يُحْرَثْ عَلَيْهَا وَلَمْ تَنْجُرْ بِالنِّيرِ فَيَأْتُونَ بِهَا إِلَى وَادٍ دَائِمٍ السَّيَلَانِ لَمْ يُحْرَثْ وَلَمْ يُزْرَعْ ويقطعون عُنُقهَا هُنَا لَك وَيَتَقَدَّمُ الْكَهَنَةُ مَنْ بَنِي لَاوِي فَيَغْسِلُ شُيُوخُ تِلْكَ الْقَرْيَةِ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْعِجْلَةِ فِي الْوَادِي وَيَقُولُونَ لِمَ تَسْفِكْ أَيْدِينَا هَذَا الدَّمَ وَلَمْ تُبْصِرْ أَعْيُنُنَا سَافِكَهُ فَيَغْفِرُ لَهُمُ الدَّمُ» اهـ. هَكَذَا ذُكِرَتِ الْقِصَّةُ بِإِجْمَالٍ أَضَاعَ الْمَقْصُودَ وَأَبْهَمَ الْغَرَضَ مِنْ هَذَا الذَّبْحِ أَهْوَ إِضَاعَةُ ذَلِكَ الدَّمِ بَاطِلًا أَمْ هُوَ عِنْدَ تَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ الْمُتَّهَمِ بِالْقَتْلِ؟ وَكَيْفَمَا كَانَ فَهَذِهِ بَقَرَةٌ مَشْرُوعَةٌ عِنْدَ كُلِّ قَتْلِ نَفْسٍ جُهِلَ قَاتِلُهَا وَهِيَ الْمُشَارُ إِلَيْهَا هُنَا، ثُمَّ كَانَ مَا حَدَثَ مِنْ قَتْلِ الْقَتِيلِ الَّذِي قَتَلَهُ أَبْنَاءُ عَمِّهِ وَجَاءُوا مُظْهِرِينَ الْمُطَالَبَةَ بِدَمِهِ وَكَانَتْ تِلْكَ النَّازِلَةُ نَزَلَتْ فِي يَوْمِ ذَبْحِ الْبَقَرَةِ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِأَنْ يَضْرِبُوا الْقَتِيلَ بِبَعْضِ تِلْكَ الْبَقَرَةِ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ تُذْبَحَ عِنْدَ جَهْلِ قَاتِلِ نَفْسٍ. وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ وَجْهُ ذَكَرِهِمَا قِصَّتَيْنِ وَقَدْ أَجْمَلَ الْقُرْآنُ ذِكْرَ الْقِصَّتَيْنِ لِأَنَّ مَوْضِعَ التَّذْكِيرِ وَالْعِبْرَةِ مِنْهُمَا هُوَ مَا حَدَثَ فِي خِلَالِهِمَا لَا تَفْصِيلُ الْوَقَائِعِ فَكَانَتِ الْقِصَّةُ الأولى تشريعا سيق ذِكْرُهُ لِمَا قَارَنَهُ مِنْ تَلَقِّيهِمُ الْأَمْرَ بِكَثْرَةِ السُّؤَالِ الدَّالِّ عَلَى ضَعْفِ الْفَهْمِ لِلشَّرِيعَةِ وَعَلَى تَطَلُّبِ أَشْيَاءَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُظَنَّ اهْتِمَامُ التَّشْرِيعِ بِهَا، وَكَانَتِ الْقِصَّةُ الثَّانِيَةُ مِنَّةً عَلَيْهِمْ بِآيَةٍ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَمُعْجِزَةً مِنْ مُعْجِزَاتِ رَسُولِهِمْ بَيَّنَهَا اللَّهُ لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا وَلِذَلِكَ خُتِمَتْ بِقَوْلِهِ: وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
[الْبَقَرَة: ٧٣] وَأُتْبِعَتْ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ [الْبَقَرَة: ٧٤] .
وَالتَّأْكِيدُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ حِكَايَةٌ لِمَا عَبَّرَ بِهِ مُوسَى مِنَ الِاهْتِمَامِ بِهَذَا الْخَبَرِ الَّذِي لَوْ وَقَعَ فِي الْعَرَبِيَّةِ لَوَقَعَ مُؤَكَّدًا بِإِنَّ.
وَقَوْلهمْ: تَتَّخِذُنا هُزُواً اسْتِفْهَامٌ حَقِيقِيٌّ لِظَنِّهِمْ أَنَّ الْأَمْرَ بِذَبْحِ بَقَرَةٍ لِلِاسْتِبْرَاءِ مِنْ دَمِ قَتِيلٍ كَاللَّعِبِ وتَتَّخِذُنا بِمَعْنَى تَجْعَلُنَا وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَصْلِ فِعْلِ اتَّخَذَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٧٤] .
وَالْهُزُؤُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالزَّايِ وَبِسُكُونِ الزَّاي مصدر هزأ بِهِ هَزْءًا وَهُوَ هُنَا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَالصَّيْدِ وَالْخَلْقِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (هُزُؤًا) بِضَمَّتَيْنِ وَهَمْزٍ بَعْدَ الزَّايِ وَصْلًا وَوَقْفًا، وَقَرَأَ حَمْزَةُ بِسُكُونِ الزَّايِ وَبِالْهَمْزِ وَصْلًا، وَوَقَفَ عَلَيْهِ بِتَخْفِيفِ الْهَمْزِ وَاوًا وَقَدْ رُسِمَتْ فِي الْمُصْحَفِ وَاوًا، وَقَرَأَ حَفْصٌ بِضَمِّ الزَّايِ وَتَخْفِيفِ الْهَمْزِ وَاوًا فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute