الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مِهَادًا خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مِهَادًا، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الرَّبِّ الْمَفْهُومِ من رَبِّي [طه: ٥٢] ، أَيْ هُوَ رَبُّ مُوسَى.
وَتَعْرِيفُ جُزْأَيِ الْجُمْلَةِ يُفِيدُ الْحَصْرَ، أَيِ الْجَاعِلُ الْأَرْضَ مِهَادًا فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ غَيْرَهُ.
وَهَذَا قَصْرٌ حَقِيقِيٌّ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ الرَّدُّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَلَكِنَّهُ تَذْكِيرٌ بِالنِّعْمَةِ وَتَعْرِيضٌ بِأَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ حَقِيقًا بِالْإِلَهِيَّةِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مِهاداً- بِكَسْر الْمِيم وَألف بعد الْهَاء- وَهُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَمْهُودِ مِثْلُ الْفِرَاشِ وَاللِّبَاسِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعُ مَهْدٍ، وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُمَهَّدُ لِلصَّبِيِّ، أَيْ يُوضَعُ عَلَيْهِ وَيُحْمَلُ فِيهِ، فَيَكُونُ بِوَزْنِ كِعَابٍ جَمْعًا لِكَعْبٍ. وَمَعْنَى الْجَمْعِ عَلَى اعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْبِقَاعِ.
وَقَرَأَ عَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ مَهْداً- بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ-، أَيْ كَالْمَهْدِ الَّذِي يُمَهَّدُ لِلصَّبِيِّ، وَهُوَ اسْمٌ بِمَصْدَرِ مَهَدَهُ، عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ بِمَعْنى الْمَفْعُول كالخلق بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ، ثُمَّ شَاعَ ذَلِكَ فَصَارَ اسْمًا لِمَا يُمَهَّدُ.
وَمَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ، أَيْ جَعَلَ الْأَرْضَ مَمْهُودَةً مُسَهَّلَةً لِلسَّيْرِ وَالْجُلُوسِ وَالِاضْطِجَاعِ بِحَيْثُ لَا نُتُوءَ فِيهَا إِلَّا نَادِرًا يُمْكِنُ تَجَنُّبُهُ، كَقَوْلِهِ: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً [نوح: ١٩، ٢٠] .
وَسَلَكَ فِعْلٌ مُشْتَقٌّ مِنَ السُّلُوكِ وَالسَّلْكُ الَّذِي هُوَ الدُّخُولُ مُجْتَازًا وَقَاطِعًا. يُقَالُ: سَلَكَ طَرِيقًا، أَي دخله مجتازا. وَيسْتَعْمل مجَازًا فِي السّير فِي الطَّرِيق تَشْبِيها للسائر بالشَّيْء الدَّاخِل فِي شَيْء آخر. يُقَال: سلك طَرِيقا. فَحَقُّ هَذَا الْفِعْلِ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمَدْخُولُ فِيهِ، وَيُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا بِمَعْنَى أَسْلَكَ. وَحَقُّهُ أَنْ يَكُونَ تَعَدِّيهِ بِهَمْزَةِ التَّعْدِيَةِ فَيُقَالُ: أَسْلَكَ الْمِسْمَارَ فِي اللَّوْحِ، أَيْ جَعَلَهُ سَالِكًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute