للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّاعَةِ تَقْيِيدًا لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ بِإِلَانَةِ الْقَوْلِ، كَمَا أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا الْآيَاتِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ [٣٩] وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَمَّا رَأَى تَمْوِيهِهِمْ عَلَى الْحَاضِرِينَ أَنَّ سِحْرَهُمْ مُعْجِزَةٌ لَهُمْ مِنْ آلِهَتِهِمْ وَمِنْ فِرْعَوْنَ رَبِّهِمُ الْأَعْلَى وَقَالُوا: بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ [الشُّعَرَاء: ٤٤] رَأَى وَاجِبًا عَلَيْهِ تَغْيِيرَ الْمُنْكَرِ بِلِسَانِهِ بِأَقْصَى مَا يَسْتَطِيعُ، لِأَنَّ ذَلِكَ التَّغْيِيرَ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَقَامِ الرِّسَالَةِ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ وَيْلَكُمْ مُسْتَعْمَلَةً فِي التَّعَجُّبِ مِنْ حَالٍ غَرِيبَةٍ، أَيْ أَعْجَبُ مِنْكُمْ وَأُحَذِّرُكُمْ،

كَقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَصِيرٍ: «وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ»

فَحُكِيَ تَعَجُّبُ مُوسَى بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ الدَّالِّ عَلَى الْعَجَبِ الشَّدِيدِ.

وَالْوَيْلُ: اسْمٌ لِلْعَذَابِ وَالشَّرِّ، وَلَيْسَ لَهُ فِعْلٌ.

وَانْتَصَبَ وَيْلَكُمْ إِمَّا عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ عَلَى التَّحْذِيرِ أَوِ الْإِغْرَاءِ، أَيِ الْزَمُوا وَيْلَكُمْ، أَوِ احْذَرُوا وَيْلَكُمْ وَإِمَّا عَلَى إِضْمَارِ حَرْفِ النِّدَاءِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: يَا وَيْلَنَا، وَيَا وَيَلَتَنَا. وَتَقَدَّمْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٧٩] .

وَالِافْتِرَاءُ: اخْتِلَاقُ الْكَذِبِ. وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَذِباً لِلتَّأْكِيدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ فِي سُورَة الْمَائِدَة [١٠٣] .

وَالِافْتِرَاءُ الَّذِي عَنَاهُ مُوسَى هُوَ مَا يُخَيِّلُونَهُ لِلنَّاسِ مِنَ الشَّعْوَذَةِ، وَيَقُولُونَ لَهُمْ: انْظُرُوا كَيْفَ تَحَرَّكَ الْحَبْلُ فَصَارَ ثُعْبَانًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ تَوْجِيهِ التَّخَيُّلَاتِ بِتَمْوِيهِ أَنَّهَا حَقَائِقُ، أَوْ قَوْلُهُمْ: مَا نَفْعَلُهُ تَأْيِيدٌ مِنَ اللَّهِ لَنَا، أَوْ قَوْلُهُمْ: أَنَّ مُوسَى كَاذِبٌ وَسَاحِرٌ، أَوْ قَوْلُهُمْ: إِنَّ فِرْعَوْنَ إِلَهَهُمْ، أَوْ آلِهَةُ فِرْعَوْنَ آلِهَةٌ. وَقَدْ كَانَتْ مَقَالَاتُ كُفْرِهِمْ أَشْتَاتًا.