للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَوَّلِيَّةِ فِي الْإِلْقَاءِ، وَسِوَى أَنَّهُ صَرَّحَ هُنَا بِأَنَّ السِّحْرَ الَّذِي أَلْقَوْهُ كَانَ بِتَخْيِيلِ أَنَّ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ ثَعَابِينُ تَسْعَى لِأَنَّهَا لَا يُشْبِهُهَا فِي شَكْلِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ سِوَى الْحَيَّاتِ وَالثَّعَابِينِ.

وَالْمُفَاجَأَةُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ (إِذَا) دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُمْ أَعَدُّوهَا لِلْإِلْقَاءِ وَكَانُوا يَخْشَوْنَ أَنْ يَمُرَّ زَمَانٌ تَزُولُ بِهِ خَاصِّيَّاتُهَا فَلِذَلِكَ أَسْرَعُوا بِإِلْقَائِهَا.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يُخَيَّلُ بِتَحْتِيَّةٍ فِي أَوَّلِ الْفِعْلِ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهُ الْمَصْدَرُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّها تَسْعى. وَقَرَأَهُ ابْنُ ذَكْوَانَ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ، وَرَوْحٌ عَنْ يَعْقُوبَ «تُخَيَّلُ» بِفَوْقِيَّةٍ فِي أَوَّلِهِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ رَافِعٌ لِضَمِيرِ حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ، أَيْ هِيَ تُخَيَّلُ إِلَيْهِ.

وأَنَّها تَسْعى بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ بَدَلُ اشْتِمَالٍ.

وَهَذَا التَّخْيِيلُ الَّذِي وَجَدَهُ مُوسَى مِنْ سِحْرِ السَّحَرَةِ هُوَ أَثَرُ عَقَاقِيرَ يُشْرِبُونَهَا تِلْكَ الْحِبَالَ وَالْعِصِيَّ، وَتَكُونُ الْحِبَالُ مِنْ صِنْفٍ خَاصٍّ، وَالْعِصِيُّ مِنْ أَعْوَادٍ خَاصَّةٍ فِيهَا فَاعِلِيَّةٌ

لِتِلْكَ الْعَقَاقِيرِ، فَإِذَا لَاقَتْ شُعَاعَ الشَّمْسِ اضْطَرَبَتْ تِلْكَ الْعَقَاقِيرُ فَتَحَرَّكَتِ الْحِبَالُ وَالْعِصِيُّ.

قِيلَ: وَضَعُوا فِيهَا طِلَاءَ الزِّئْبَقِ. وَلَيْسَ التَّخْيِيلُ لِمُوسَى مِنْ تَأْثِيرِ السِّحْرِ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّ نَفْسَ الرَّسُولِ لَا تَتَأَثَّرُ بِالْأَوْهَامِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَتَأَثَّرَ بِالْمُؤَثِّرَاتِ الَّتِي يَتَأَثَّرُ مِنْهَا الْجَسَدُ كَالْمَرَضِ، وَلِذَلِكَ وَجَبَ تَأْوِيلُ ظَاهِرَ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي سِحْرِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَارُ الْآحَادِ لَا تَنْقُضُ الْقَوَاطِعَ. وَلَيْسَ هَذَا مَحَلٌّ ذَكْرِهِ وَقَدْ حَقَّقْتُهُ فِي كِتَابِي الْمُسَمَّى «النَّظَرُ الْفَسِيحُ» عَلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ.

ومِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ سِحْرِهِمْ لِلسَّبَبِيَّةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا [نوح: ٢٥] .