وَقَوْلُهُ مَا غَشِيَهُمْ يُفِيدُ مَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ غَشِيَهُمْ غَاشٍّ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّهْوِيلُ، أَيْ بَلَغَ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْغَرَقِ أَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ وَصْفُهُ. قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : «هُوَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي تَسْتَقِلُّ مَعَ قِلَّتِهَا بِالْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ» . وَهَذَا الْجُزْءُ مِنَ الْقِصَّةِ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ يُونُسَ.
وَجُمْلَةُ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي غَشِيَهُمْ.
وَالْإِضْلَالُ: الْإِيقَاعُ فِي الضَّلَالِ، وَهُوَ خَطَأُ الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ. وَيُسْتَعْمَلُ بِكَثْرَةٍ فِي مَعْنَى الْجَهَالَةِ وَعَمَلِ مَا فِيهِ ضُرٌّ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَالْمَعْنَى: أَنَّ فِرْعَوْنَ أَوْقَعَ قَوْمَهُ فِي الْجَهَالَةِ وَسُوءِ الْعَاقِبَةِ بِمَا بَثَّ فِيهِمْ مِنْ قَلْبِ الْحَقَائِقِ وَالْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ، فَلَمْ يُصَادِفُوا السَّدَادَ فِي أَعْمَالِهِمْ حَتَّى كَانَتْ خَاتِمَتُهَا وُقُوعُهُمْ غَرْقَى فِي الْبَحْرِ بِعِنَادِهِ فِي تَكْذِيبِ دَعْوَةِ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ-.
وَعَطْفُ وَما هَدى عَلَى أَضَلَّ: إِمَّا مِنْ عَطْفِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ لِأَنَّ عَدَمَ الْهُدَى يَصْدُقُ بِتَرْكِ الْإِرْشَادِ مِنْ دُونِ إِضْلَالٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لَفْظِيًّا بِالْمُرَادِفِ مُؤَكِّدًا لِنَفْيِ الْهُدَى عَنْ فِرْعَوْنَ لِقَوْمِهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَما هَدى تَأْكِيدًا لِ أَضَلَّ بِالْمُرَادِفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ [النَّحْل: ٢١] وَقَوْلِ الْأَعْشَى: حُفَاةً لَا نِعَالَ لَنَا» مِنْ قَوْلِهِ:
إِمَّا تَرَيْنَا حُفَاةً لَا نِعَالَ لَنَا ... إِنَّا كَذَلِكَ مَا نَحْفَى وَنَنْتَعِلُ
وَفِي «الْكَشَّافِ» : إِنَّ نُكْتَةَ ذِكْرِ وَما هَدى التَّهَكُّمُ بِفِرْعَوْنَ فِي قَوْلِهِ وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ اه. يَعْنِي أَنَّ فِي قَوْلِهِ وَما هَدى تَلْمِيحًا إِلَى قِصَّةِ قَوْلِهِ الْمَحْكِيِّ فِي سُورَةِ غَافِرٍ [٢٩] : قالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ وَمَا فِي هَذِهِ مِنْ قَوْلِهِ بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى [طه: ٦٣] ، أَيْ هِيَ هُدًى، فَيَكُونُ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute