وَاللِّحْيَةُ- بِكَسْرِ اللَّامِ وَيَجُوزُ- فَتْحُ اللَّامِ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ- اسْمٌ لِلشَّعْرِ النَّابِتِ بِالْوَجْهِ عَلَى مَوْضِعِ اللِّحْيَيْنِ وَالذَّقْنِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْقُرَّاءُ عَلَى- كَسْرِ اللَّامِ- مِنْ لِحْيَتِي.
وَاعْتَذَرَ هَارُونُ عَنْ بَقَائِهِ بَيْنَ الْقَوْم بقوله نِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ
، أَيْ أَنْ تَظُنَّ ذَلِكَ بِي فَتَقَوْلَهَ لَوْمًا وَتَحْمِيلًا لِتَبِعَةِ الْفُرْقَةِ الَّتِي ظَنَّ أَنَّهَا وَاقِعَةٌ لَا مَحَالَةَ إِذَا أَظْهَرَ هَارُونُ غَضَبَهُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ يَسْتَتْبِعُهُ طَائِفَةٌ مِنَ الثَّابِتِينَ عَلَى الْإِيمَانِ وَيُخَالِفُهُمُ الْجُمْهُورُ فَيَقَعُ انْشِقَاقٌ
بَيْنَ الْقَوْمِ وَرُبَّمَا اقْتَتَلُوا فَرَأَى مِنَ الْمَصْلَحَةِ أَنْ يُظْهِرَ الرِّضَى عَنْ فِعْلِهِمْ لِيَهْدَأَ الْجُمْهُورُ وَيَصْبِرَ الْمُؤْمِنُونَ اقْتِدَاءً بِهَارُونَ، وَرَأَى فِي سُلُوكِ هَذِهِ السِّيَاسَةِ تَحْقِيقًا لِقَوْلِ مُوسَى لَهُ وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١٤٢] . وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ هُنَا بِقَوْلِهِ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي
، فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ حِكَايَةِ قَوْلِ مُوسَى الَّذِي قَدَّرَهُ هَارُونُ فِي ظَنِّهِ.
وَهَذَا اجْتِهَادٌ مِنْهُ فِي سِيَاسَةِ الْأُمَّةِ إِذْ تَعَارَضَتْ عِنْدَهُ مَصْلَحَتَانِ مَصْلَحَةُ حِفْظِ الْعَقِيدَةِ وَمَصْلَحَةُ حِفْظِ الْجَامِعَةِ مِنَ الْهَرَجِ. وَفِي أَثْنَائِهَا حِفْظُ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأُخُوَّةِ بَيْنَ الْأُمَّةِ فَرَجَّحَ الثَّانِيَةَ، وَإِنَّمَا رَجَّحَهَا لِأَنَّهُ رَآهَا أَدْوَمَ فَإِنَّ مَصْلَحَةَ حِفْظِ الْعَقِيدَةِ يُسْتَدْرَكُ فَوَاتُهَا الْوَقْتِيُّ بِرُجُوعِ مُوسَى وَإِبْطَالِهِ عِبَادَةَ الْعِجْلِ حَيْثُ غَيَّوْا عُكُوفَهَمْ عَلَى الْعِجْلِ بِرُجُوعِ مُوسَى، بِخِلَافِ مَصْلَحَةِ حِفْظِ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ إِذَا انْثَلَمَتْ عَسُرَ تَدَارُكُهَا.
وَتَضَمَّنَ هَذَا قَوْله نِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي
، وَكَانَ اجْتِهَادُهُ ذَلِكَ مَرْجُوحًا لِأَنَّ حِفْظَ الْأَصْلِ الْأَصِيلِ لِلشَّرِيعَةِ أَهَمُّ مِنْ حِفْظِ الْأُصُولِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مَصْلَحَةَ صَلَاحِ الِاعْتِقَادِ هِيَ أُمُّ الْمَصَالِحِ الَّتِي بِهَا صَلَاحُ الِاجْتِمَاعِ، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ «أُصُولِ نِظَامِ الِاجْتِمَاعِ الْإِسْلَامِيِّ» . وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُوسَى خَافِيًا عَلَيْهِ أَنَّ هَارُونَ كَانَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute