للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُمْلَةُ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً مُبِينَةٌ لِجُمْلَةِ يَتَخافَتُونَ، وَهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ كَانُوا أَمْوَاتًا وَرُفَاتًا فَأَحْيَاهُمُ اللَّهُ فَاسْتَيْقَنُوا ضَلَالَهُمْ إِذْ كَانُوا يُنْكِرُونَ الْحَشْرَ.

وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا الِاعْتِذَارَ لِخَطَئِهِمْ فِي إِنْكَارِ الْإِحْيَاءِ بَعْدَ انْقِرَاضِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ مُبَالَغَةً فِي الْمُكَابَرَةِ، فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ مَا لَبِثُوا فِي الْقُبُورِ إِلَّا عَشْرَ لَيَالٍ فَلَمْ يَصِيرُوا رُفَاتًا، وَذَلِكَ لِمَا بَقِيَ فِي نُفُوسِهِمْ مِنِ اسْتِحَالَةِ الْإِحْيَاءِ بَعْدَ تَفَرُّقِ الْأَوْصَالِ، فَزَعَمُوا أَنَّ إِحْيَاءَهُمْ مَا كَانَ إِلَّا بِرَدِّ الْأَرْوَاحِ إِلَى الْأَجْسَادِ. فَالْمُرَادُ بِاللَّبْثِ: الْمُكْثُ فِي الْقُبُورِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ [١١٢، ١١٣] ، وَقَوْلُهُ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ فِي سُورَةِ الرّوم [٥٥] .

و (إِذْ) ظَرْفٌ، أَيْ يَتَخَافَتُونَ فِي وَقْتٍ يَقُولُ فِيهِ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً. وَالْأَمْثَلُ: الْأَرْجَحُ

الْأَفْضَلُ. وَالْمَثَالَةُ: الْفَضْلُ، أَيْ صَاحِبُ الطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى لِأَنَّ النِّسْبَةَ فِي الْحَقِيقَةِ لِلتَّمْيِيزِ.

وَالطَّرِيقَةُ: الْحَالَةُ وَالسُّنَّةُ وَالرَّأْيُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الرَّأْيُ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى [طه: ٦٣] فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَلَمْ يَأْتِ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى وَصْفِ الْقَائِلِ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً

بِأَنَّهُ أَمْثَلُ طَرِيقَةٍ بِوَجْهٍ تَطْمَئِنُّ لَهُ النَّفْسُ.

وَالَّذِي أَرَاهُ: أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ فَإِنْ سَلَكْنَا بِهِ مَسْلَكَ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّهُ أَقْرَبُهُمْ إِلَى اخْتِلَاقِ الِاعْتِذَارِ عَنْ خَطَئِهِمْ فِي إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ بِأَنَّهُمْ ظَنُّوا الْبَعْثَ وَاقِعًا بَعْدَ طُولِ الْمُكْثِ فِي الْأَرْضِ طُولًا تَتَلَاشَى فِيهِ أَجْزَاءُ الْأَجْسَامِ، فَلَمَّا وَجَدُوا أَجْسَادَهُمْ كَامِلَةً مِثْلَ مَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا قَالَ بَعْضُهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً، فَكَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ عُذْرًا لِأَنَّ عَشْرَ اللَّيَالِيَ تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهَا الْأَجْسَامُ. فَكَانَ الَّذِي قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا