السَّائِلُ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ: «هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ، قَالَ السَّائِلُ فَضَالَّةُ الْإِبِلِ فَغَضِبَ رَسُولُ الله وَقَالَ مَالك وَلَهَا، مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَشْرَبُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ حَتَّى يَأْتِيَهَا رَبُّهَا» .
وَجُمْلَةُ: وَما كادُوا يَفْعَلُونَ تَحْتَمِلُ الْحَالَ وَالِاسْتِئْنَافَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ أَشَدُّ رَبْطًا لِلْجُمْلَةِ وَذَلِكَ أَصْلُ الْجُمَلِ أَيْ ذَبَحُوهَا فِي حَالٍ تَقْرُبُ مِنْ حَالِ مَنْ لَا يَفْعَلُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ ذَبَحُوهَا مُكْرَهِينَ أَوْ كَالْمُكْرَهِينَ لِمَا أَظْهَرُوا مِنَ الْمُمَاطَلَةِ وَبِذَلِكَ يَكُونُ وَقْتُ الذَّبْحِ وَوَقْتُ الِاتِّصَافِ بِمُقَارَبَةِ انْتِفَائِهِ وَقْتًا مُتَّحِدًا اتِّحَادًا عُرْفِيًّا بِحَسَبِ الْمَقَامَاتِ الْخِطَابِيَّةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ مُمَاطَلَتَهُمْ قَارَنَتْ أَوَّلَ أَزْمِنَةِ الذَّبْحِ. وَعَلَى الِاسْتِئْنَافِ يَصِحُّ اخْتِلَافُ الزَّمَنَيْنِ أَيْ فَذَبَحُوهَا عِنْدَ ذَلِكَ أَيْ عِنْدِ إِتْمَامِ الصِّفَاتِ، وَكَانَ شَأْنُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ شَأْنَ مَنْ لَمْ يُقَارِبْ أَنْ يَفْعَلَ.
ثُمَّ إِنَّ مَا كادُوا يَفْعَلُونَ يَقْتَضِي بِحَسَبِ الْوَضْعِ نَفْيَ مَدْلُولِ كَادَ فَإِنَّ مَدْلُولَهَا الْمُقَارَبَةُ وَنَفْيُ مُقَارَبَةِ الْفِعْلِ يَقْتَضِي عَدَمَ وُقُوعِهِ بِالْأَوْلَى فَيُقَالُ أَنَّى يَجْتَمِعُ ذَلِكَ مَعَ وُقُوعِ ذَبْحِهَا بِقَوْلِهِ: فَذَبَحُوها؟ فَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِئْنَافِ فَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ نَفْيَ مُقَارَبَةِ الْفِعْلِ كَانَ قَبْلَ الذَّبْحِ حِينَ كَرَّرُوا السُّؤَالَ وَأَظْهَرُوا الْمِطَالَ ثُمَّ وَقَعَ الذَّبْحُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ أَجَابَ بِمِثْلِ هَذَا جَمَاعَةٌ يَعْنُونَ كَأَنَّ الْفِعْلَ وَقَعَ فَجْأَةً بَعْدَ أَنْ كَانُوا بِمَعْزِلٍ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَعْلِ الْوَاوِ اسْتِئْنَافًا وَقَدْ عَلِمْتُمْ بُعْدَهُ.
فَالْوَجْهُ الْقَالِعُ لِلْإِشْكَالِ هُوَ أَنَّ أَئِمَّةَ الْعَرَبِيَّةِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي مَفَادِ كَادَ الْمَنْفِيَّةِ فِي نَحْوِ مَا كَادَ يَفْعَلُ فَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْهُمُ الزَّجَّاجِيُّ إِلَى أَنَّ نَفْيَهَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مُقَارَبَةِ الْفِعْلِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى انْتِفَاءِ وُقُوعِ الْفِعْلِ بِالْأَوْلَى فَيَكُونُ إِثْبَاتُ كَادَ نَفْيًا لِوُقُوعِ الْخَبَرِ الَّذِي فِي قَوْلِكَ كَادَ يَقُومُ أَيْ قَارَبَ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ إِلَّا إِذَا قَارَبَ وَلَمْ يَفْعَلْ وَنَفْيُهَا نَفْيًا لِلْفِعْلِ بِطَرِيقِ فَحْوَى الْخِطَابِ فَهُوَ كَالْمَنْطُوقِ وَأَنَّ مَا وَرَدَ مِمَّا يُوهِمُ خلاف ذَلِك مؤول بِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ وَقْتَيْنِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ كَلَامَيْنِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما كادُوا يَفْعَلُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَيْ فَذَبَحُوهَا الْآنَ وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْجَمْعَ بَيْنَ خَبَرَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ فِي الصُّورَةِ قَرِينَةً عَلَى قَصْدِ زَمَانَيْنِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ مَالِكٍ فِي «الْكَافِيَةِ» إِذْ قَالَ:
وَبِثُبُوتِ كَادَ يُنْفَى الْخَبَرُ ... وَحِينَ يُنْفَى كَادَ ذَاكَ أَجْدَرُ
وَغَيْرُ ذَا عَلَى كَلَامَيْنِ يَرِدْ ... كَوَلَدَتْ هِنْدٌ وَلَمْ تَكَدْ تَلِدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute