للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْجَمْعُ بَيْنَ اسْمِ الْجَلَالَةِ وَاسْمِهِ (الْمَلِكُ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ إِعْظَامَهُ وَإِجْلَالَهُ مُسْتَحِقَّانِ لِذَاتِهِ بِالِاسْمِ الْجَامِعِ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ، وَهُوَ الدَّالُّ عَلَى انْحِصَارِ الْإِلَهِيَّةِ وَكَمَالِهَا.

ثُمَّ أُتْبِعَ بِ (الْحَقُّ) لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ وَاضِحَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مُلْكَهُ مُلْكُ حَقٍّ لَا تَصَرُّفَ فِيهِ إِلَّا بِمَا هُوَ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ.

وَالْحَقُّ: الَّذِي لَيْسَ فِي مُلْكِهِ شَائِبَةُ عَجْزٍ وَلَا خُضُوعٍ لِغَيْرِهِ، وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ مُلْكَ غَيْرِهِ زَائِفٌ.

وَفِي تَفْرِيعِ ذَلِكَ عَلَى إِنْزَالِ الْقُرْآنِ إِشَارَةٌ أَيْضًا إِلَى أَنَّ الْقُرْآنَ قَانُونُ ذَلِكَ الْمَلِكِ، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ هُوَ السِّيَاسَةُ الْكَامِلَةُ الضَّامِنَةُ صَلَاحَ أَحْوَالِ مُتَّبِعِيهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَجُمْلَةُ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ نَاشِئَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّنْوِيهِ بِالْقُرْآنِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ تَصَارِيفِ إِصْلَاحِ النَّاسِ. فَلَمَّا كَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرِيصًا عَلَى صَلَاحِ الْأُمَّةِ شَدِيدَ الِاهْتِمَامِ بِنَجَاتِهِمْ لَا جَرَمَ خَطَرَتْ بِقَلْبِهِ الشَّرِيفِ عَقِبَ سَمَاعِ تِلْكَ الْآيَاتِ رَغْبَةٌ أَوْ طِلْبَةٌ فِي الْإِكْثَارِ مِنْ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَفِي التَّعْجِيلِ بِهِ إِسْرَاعًا بِعِظَةِ النَّاسِ وَصَلَاحِهِمْ، فَعَلَّمَهُ اللَّهُ أَنْ يَكِلَ الْأَمْرَ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِحَيْثُ يُنَاسِبُ حَالَ الْأُمَّةِ الْعَامَّ.

وَمَعْنَى مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ أَيْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتِمَّ وَحْيُ مَا قُضِيَ وَحْيُهُ إِلَيْكَ، أَيْ مَا نُفِّذَ إِنْزَالُهُ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُنَاسِبُ. فَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ سُؤَالُ التَّعْجِيلِ أَوِ الرَّغْبَةُ الشَّدِيدَةُ فِي النَّفْسِ الَّتِي تُشْبِهُ الِاسْتِبْطَاءَ لَا مُطْلَقُ مَوَدَّةِ الِازْدِيَادِ، فَقَدْ

قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَأْنِ قِصَّةِ مُوسَى مَعَ الْخضر- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- «وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا أَوْ مِنْ خَبَرِهِمَا»

.