للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُمْلَةُ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى تَعْلِيلٌ لِلشَّقَاءِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْجَنَّةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُمَتَّعًا فِي الْجَنَّةِ بِرَفَاهِيَةِ الْعَيْشِ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَلْبَسٍ وَمَشْرَبٍ وَاعْتِدَالِ جَوٍّ مُنَاسِبٍ لِلْمِزَاجِ كَانَ الْخُرُوجُ مِنْهَا مُقْتَضِيًا فِقْدَانَ ذَلِكَ.

وتَضْحى مُضَارِعُ ضَحِيَ: كَرَضِيَ، إِذَا أَصَابَهُ حَرُّ الشَّمْسِ فِي وَقْتِ الضُّحَى، وَمَصْدَرُهُ الضَّحْوُ، وَحَرُّ الشَّمْسِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ هُوَ مَبْدَأُ شِدَّتِهِ، وَالْمَعْنَى: لَا يُصِيبُكَ مَا يُنَافِرُ مِزَاجَكَ، فَالِاقْتِصَارَ عَلَى انْتِفَاءِ الضَّحْوِ هُنَا اكْتِفَاءٌ، أَيْ وَلَا تَصْرَدَ، وَآدَمُ لَمْ يَعْرَفِ الْجُوعَ وَالْعُرْيَ وَالظَّمَأَ وَالضَّحْوَ بِالْوِجْدَانِ، وَإِنَّمَا عَرَفَهَا بِحَقَائِقِهَا ضِمْنَ تَعْلِيمِهِ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

وَجُمِعَ لَهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَصُولُ كَفَافِ الْإِنْسَانِ فِي مَعِيشَتِهِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ الِاسْتِكْفَاءَ مِنْهَا سَيَكُونُ غَايَةَ سَعْيِ الْإِنْسَانِ فِي حَيَاته الْمُسْتَقْبلَة، لِأَنَّ الْأَحْوَالَ الَّتِي تُصَاحِبُ التَّكْوِينَ تَكُونُ إِشْعَارًا بِخَصَائِصِ الْمُكَوِّنِ فِي مُقَوِّمَاتِهِ، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ مِنْ تَوْفِيقِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاخْتِيَارِ اللَّبَنِ عَلَى الْخَمْرِ فَقِيلَ لَهُ: لَوِ اخْتَرْتَ الْخَمْرَ لَغَوَتْ أُمَّتُكَ.

وَقَدْ قَرَنَ بَيْنَ انْتِفَاءِ الْجُوعِ وَاللِّبَاسِ فِي قَوْله أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى، وَقَرَنَ بَيْنَ انْتِفَاءِ الظَّمَأِ وَأَلَمِ الْجِسْمِ فِي قَوْله لَا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ، فِي أَنَّ الْجُوعَ خُلُوُّ بَاطِنِ الْجِسْمِ عَمَّا يَقِيهِ تَأَلُّمَهُ وَذَلِكَ هُوَ الطَّعَامُ، وَأَنَّ الْعُرْيَ خُلُوُّ ظَاهِرِ الْجِسْمِ عَمَّا يَقِيهِ تَأَلُّمَهُ وَهُوَ لَفْحُ الْحَرِّ وقرص الْبرد ولمناسبة بَيْنَ الظَّمَأِ وَبَيْنَ حَرَارَةِ الشَّمْسِ فِي أَنَّ الْأَوَّلَ أَلَمُ حَرَارَةِ الْبَاطِنِ وَالثَّانِي أَلَمُ حَرَارَةِ الظَّاهِرِ. فَهَذَا اقْتَضَى عَدَمَ اقْتِرَانِ ذِكْرِ الظَّمَأِ وَالْجُوعِ، وَعَدَمِ اقْتِرَانِ ذِكْرِ الْعُرْيِ بِأَلَمِ