للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَمْرِ لِلْخَيْلِ بِالْكَرِّ، وَيَكُونَ سِبَاءُ الْخَمْرِ لِلَّذَّةِ مَعَ تَبَطُّنِ الْكَاعِبِ. فَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ: أَدَامَ اللَّهُ عِزَّ الْأَمِيرِ، إِنْ صَحَّ أَنَّ الَّذِي اسْتَدْرَكَ عَلَى امْرِئِ الْقَيْسِ هَذَا أَعْلَمُ مِنْهُ بِالشِّعْرِ فَقَدْ أَخْطَأَ امْرُؤُ الْقَيْسِ وَأَخْطَأْتُ أَنَا، وَمَوْلَانَا يَعْرِفُ أَنَّ الثَّوْبَ لَا يَعْرِفُهُ الْبَزَّازُ مُعْرِفَةَ الْحَائِكِ لِأَنَّ الْبَزَّازَ لَا يَعْرِفُ إِلَّا جُمْلَتَهُ وَالْحَائِكَ يَعْرِفُ جُمْلَتَهُ وَتَفْصِيلَهُ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنَ الْغَزَلِيَّةِ إِلَى الثَّوْبِيَّةِ. وَإِنَّمَا قَرَنَ امْرُؤُ الْقَيْسِ لَذَّةَ النِّسَاءِ بِلَذَّةِ الرُّكُوبِ لِلصَّيْدِ، وَقَرَنَ السَّمَاحَةَ فِي شِرَاءِ الْخَمْرِ لِلْأَضْيَافِ بِالشَّجَاعَةِ فِي مُنَازَلَةِ الْأَعْدَاءِ. وَأَنَا لَمَّا ذَكَرْتُ الْمَوْتَ أَتْبَعْتُهُ بِذِكْرِ الرَّدَى لِتَجَانُسِهِ وَلَمَّا كَانَ وَجْهُ الْمَهْزُومِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَبُوسًا وَعَيْنُهُ مِنْ أَنْ تَكُونَ بَاكِيَةً قُلْتُ:

وَوَجْهُكَ وَضَّاحٌ وَثَغْرُكَ بَاسِمُ لِأَجْمَعَ بَيْنَ الْأَضْدَادِ فِي الْمَعْنَى.

وَمَعْنَى هَذَا أَن امْرُؤ الْقَيْسِ خَالَفَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ فِي جَمْعِ شَيْئَيْنِ مُشْتَهِرَيِ الْمُنَاسَبَةِ فَجَمَعَ شَيْئَيْنِ مُتَنَاسِبَيْنِ مُنَاسَبَةً دَقِيقَةً، وَأَنَّ أَبَا الطَّيِّبِ خَالَفَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ مِنْ جَمْعِ النَّظِيرَيْنِ فَفَرَّقَهُمَا لِسُلُوكِ طَرِيقَةٍ أَبْدَعَ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الطِّبَاقِ بِالتَّضَادِّ وَهُوَ أَعْرَقُ فِي صِنَاعَةِ الْبَدِيعِ.

وَجُعِلَتِ الْمِنَّةُ عَلَى آدَمَ بِهَذِهِ النِّعَمِ مَسُوقَةً فِي سِيَاقِ انْتِفَاءِ أَضَدَادِهَا لِيُطْرَقَ سَمْعُهُ بِأَسَامِي أَصْنَافِ الشَّقْوَةِ تَحْذِيرًا مِنْهَا لِكَيْ يَتَحَامَى مَنْ يَسْعَى إِلَى إِرْزَائِهِ مِنْهَا.

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَإنَّك لَا تظمؤا- بِكَسْرِ هَمْزَةِ (إِنَّ) - عَطْفًا لِلْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ وَأَنَّكَ- بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ- عَطْفًا عَلَى أَلَّا تَجُوعَ عَطْفَ الْمُفْرَدِ عَلَى الْمُفْرَدِ، أَيْ إِنَّ لَكَ نَفْيَ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ وَنَفْيَ الظَّمَأِ وَالضَّحْوِ.

وَقَدْ حَصَلَ تَأْكِيدُ الْجَمِيعِ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِ (إِنْ) وَبِأُخْتِهَا، وَبَيْنَ الأسلوبين تفنّن.