الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل: ١] الْآيَاتُ، وَقَالَ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [الْإِسْرَاء: ٧٩] .
وَجُمْلَة لَا نَسْئَلُكَ رِزْقاً مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا وَبَيْنَ جُمْلَةِ نَحْنُ نَرْزُقُكَ جُعِلَتْ تَمْهِيدًا لِهَاتِهِ الْأَخِيرَةِ.
وَالسُّؤَالُ: الطَّلَبُ التَّكْلِيفِيُّ، أَيْ مَا كَلَّفْنَاكَ إِلَّا بِالْعِبَادَةِ، لِأَنَّ الْعِبَادَة شكر لله عَلَى مَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَى الْخَلْقِ وَلَا يَطْلُبُ اللَّهُ مِنْهُمْ جَزَاءً آخَرَ. وَهَذَا إِبْطَالٌ لِمَا تَعَوَّدَهُ النَّاسُ مِنْ دَفْعِ الْجِبَايَاتِ وَالْخَرَاجِ لِلْمُلُوكِ وَقَادَةِ الْقَبَائِلِ وَالْجُيُوشِ. وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: ٥٦- ٥٨] ، فَجُمْلَةُ نَحْنُ نَرْزُقُكَ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى [طه: ١٣١] . وَالْمَعْنَى: أَنَّ رِزْقَ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ مَسُوقٌ إِلَيْكَ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْخِطَابِ ابْتِدَاءً هُوَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَشْمَلُ أَهْلَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ الْمُعَلَّلَ بِهِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُشْتَرِكٌ فِي حُكْمِهِ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ.
وَجُمْلَةُ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى عَطْفٌ عَلَى جملَة لَا نَسْئَلُكَ رِزْقاً الْمُعَلَّلُ بِهَا أَمْرُهُ بِالِاصْطِبَارِ لِلصَّلَاةِ، أَيْ إِنَّا سَأَلْنَاكَ التَّقْوَى وَالْعَاقِبَةَ.
وَحَقِيقَةُ الْعَاقِبَةِ: أَنَّهَا كُلُّ مَا يَعْقُبُ أَمْرًا وَيَقَعُ فِي آخِرِهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، إِلَّا أَنَّهَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِي أُمُورِ الْخَيْرِ. فَالْمَعْنَى: أَنَّ التَّقْوَى تَجِيءُ فِي نِهَايَتِهَا عَوَاقِبُ خَيْرٍ.
وَاللَّامُ لِلْمِلْكِ تَحْقِيقًا لِإِرَادَةِ الْخَيْرِ مِنَ الْعَاقِبَةِ لِأَنَّ شَأْنَ لَامِ الْمِلْكِ أَنْ تَدُلَّ عَلَى نَوَالِ
الْأَمْرِ الْمَرْغُوبِ، وَإِنَّمَا يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي عَاقِبَةِ خَيْرِ الْآخِرَةِ. وَقَدْ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ فِي خَيْرِ الدُّنْيَا أَيْضًا لِلتَّقْوَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute