الْأَوَّلُونَ، وَتَجْهِيلًا لِأَلْبَابِهِمُ الَّتِي لَمْ تُدْرِكْ عِظَمَ الْآيَةِ الَّتِي جَاءَتْهُمْ كَمَا أَنْبَأَ بِذَلِكَ مَوْقِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي هَذَا الْمَكَانِ.
وَفِي ضَمِيرِ ذَلِكَ تَحْقِيقٌ لِكَوْنِ الْقُرْآنِ حَقًّا، وَتَذْكِيرٌ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَنَافِعِ الَّتِي عَمُوا عَنْهَا فِيمَا حُكِيَ عَنْهُمْ أَوَّلَ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ [الْأَنْبِيَاء: ٢- ٣] كَمَا أَنْبَأَ بِذَلِكَ ظَاهِرُ مَعْنَى الْآيَةِ.
وَلِقَصْدِ هَذَا الْإِيقَاظِ صُدِّرَتِ الْجُمْلَةُ بِمَا يُفِيدُ التَّحْقِيقَ مِنْ لَامِ الْقَسَمِ وَحَرْفِ التَّحْقِيقِ وَجُعِلَ إِنْزَالُ الْكِتَابِ إِلَيْهِمْ كَمَا اقْتَضَتْهُ تَعْدِيَةُ فِعْلِ أَنْزَلْنا بِحَرْفِ (إِلَى) شَأْنَ تَعْدِيَةِ فِعْلِ الْإِنْزَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَجْرُورُ بِ «إِلَى» هُوَ الْمُنَزَّلُ إِلَيْهِ فَجُعِلَ الْإِنْزَالُ إِلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أُنْزِلَ إِلَيْهِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْإِنْزَالَ كَانَ لِأَجْلِهِمْ وَدَعْوَتِهِمْ. وَذَلِكَ أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يُقَالَ: لَقَدْ أَنْزَلْنَا لَكُمْ.
وَتَنْكِيرُ كِتاباً لِلتَّعْظِيمِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ جَمَعَ خَصْلَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ: كَوْنَهُ كِتَابَ هُدًى، وَكَوْنَهُ آيَةً وَمُعْجِزَةً لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ أَوْ مُدَانِيهِ.
وَالذِّكْرُ يُطْلَقُ عَلَى التَّذْكِيرِ بِمَا فِيهِ الصَّلَاحُ، وَيُطْلَقُ عَلَى السُّمْعَةِ وَالصِّيتِ كَقَوْلِه ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّاء [مَرْيَم: ٢] . وَقَدْ أُوثِرَ هَذَا الْمَصْدَرُ هُنَا وَجُعِلَ مُعَرَّفًا
بِالْإِضَافَةِ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ لِيَكُونَ كَلَامًا مُوَجَّهًا فَيَصِحَّ قَصْدُ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا مِنْ كَلِمَةِ (الذِّكْرِ) بِأَنَّ مَجِيءَ الْقُرْآنِ مُشْتَمِلًا عَلَى أَعْظَمِ الْهُدَى، وَهُوَ تَذْكِيرٌ لَهُمْ بِمَا بِهِ نِهَايَةُ إِصْلَاحِهِمْ، وَمَجِيئُهُ بِلُغَتِهِمْ، وَفِي قَوْمِهِمْ، وَبِوَاسِطَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، سُمْعَةٌ عَظِيمَةٌ لَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشُّعَرَاء: ١٩٥]- وَقَالَ- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ [الْبَقَرَة: ١٥١] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute