إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ فِي سُورَةِ [ص: ٢٦- ٢٨] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ مَا خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ فِي سُورَةِ [الدُّخَانِ: ٣٧- ٤٠] ، وَقَوْلِهِ
تَعَالَى: مَا خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ فِي سُورَةِ [الْأَحْقَافِ: ٣] إِلَى غير هَذِه من الْآيَاتِ.
فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةُ عُقِّبَ بِهَا ذِكْرُ الْقَوْمِ الْمُهْلَكِينَ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ إِيقَاظُ الْعُقُولِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِمَا فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ دَقَائِقِ الْمُنَاسَبَاتِ وَإِعْطَاءِ كُلِّ مَخْلُوقٍ مَا بِهِ قِوَامَهُ، فَإِذَا كَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ اللَّهِ فِي خَلْقِ الْعَوَالِمِ ظَرْفِهَا وَمَظْرُوفِهَا، اسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ تِلْكَ السُّنَّةَ لَا تَتَخَلَّفُ فِي تَرَتُّبِ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا فِيمَا يَأْتِيهِ جِنْسُ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْمَالِ، فَإِذَا مَا لَاحَ لَهُمْ تَخَلُّفُ سَبَبٍ عَنْ سَبَبِهِ أَيْقَنُوا أَنَّهُ تَخَلُّفٌ مُؤَقّت فَإِذا علمهمْ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ شَرَائِعِهِ بِأَنَّهُ ادَّخَرَ الْجَزَاءَ الْكَامِلَ عَلَى الْأَعْمَالِ إِلَى يَوْمٍ آخَرَ آمَنُوا بِهِ، وَإِذَا عَلَّمَهُمْ أَنهم لَا يفوتون ذَلِكَ بِالْمَوْتِ بَلْ إِنَّ لَهُمْ حَيَاةً آخِرَةً وَأَنَّ اللَّهَ بَاعِثُهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ أَيْقَنُوا بهَا، وَإِذا علمهمْ أَنَّهُ رُبَّمَا عَجَّلَ لَهُمْ بَعْضَ الْجَزَاءِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَيْقَنُوا بِهِ.
وَلِذَلِكَ كَثُرَ تَعْقِيبُ ذِكْرِ نِظَامِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِذِكْرِ الْجَزَاءِ الْآجِلِ وَالْبَعْثِ وَإِهْلَاكِ بَعْضِ الْأُمَمِ الظَّالِمَةِ، أَوْ تَعْقِيبُ ذِكْرِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ الْآجِلِ وَالْعَاجِلِ بِذِكْرِ نِظَامِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute