للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْقَذْفُ، حَقِيقَتُهُ: رَمْيُ جِسْمٍ عَلَى جِسْمٍ. وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِإِيرَادِ مَا يُزِيلُ وَيُبْطِلُ الشَّيْءَ مِنْ دَلِيلٍ أَوْ زَجْرٍ أَوْ إِعْدَامٍ أَوْ تَكْوِينِ مَا يَغْلِبُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِثْلَ رَمْيِ الْجِسْمِ الْمُبْطَلِ بِشَيْءٍ

يَأْتِي عَلَيْهِ لِيُتْلِفَهُ أَوْ يُشَتِّتَهُ، فَاللَّهُ يُبْطِلُ الْبَاطِلَ بِالْحَقِّ بِأَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ بُطْلَانَ الْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِ رُسُلِهِ، وَبِأَنْ أَوْجَدَ فِي عُقُولهمْ إدراكا للتمييز بَيْنَ الصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ، وَبِأَنْ يُسَلِّطَ بَعْضَ عِبَادِهِ عَلَى الْمُبْطِلِينَ لِاسْتِئْصَالِ الْمُبْطِلِينَ، وَبِأَنْ يَخْلُقَ مَخْلُوقَاتٍ يُسَخِّرُهَا لِإِبْطَالِ الْبَاطِلِ، قَالَ تَعَالَى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [١٢] .

وَالدَّمْغُ: كَسْرُ الْجِسْمِ الصَّلْبِ الْأَجْوَفِ، وَهُوَ هُنَا تَرْشِيحٌ لِاسْتِعَارَةِ الْقَذْفِ لِإِيرَادِ مَا يُبْطِلُ، وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ أَيْضًا حَيْثُ اسْتُعِيرَ الدَّمْغُ لِمَحْقِ الْبَاطِلِ وَإِزَالَتِهِ كَمَا يُزِيلُ الْقَذْفُ الْجِسْمَ الْمَقْذُوفَ، فَالِاسْتِعَارَتَانِ مِنِ اسْتِعَارَةِ الْمَحْسُوسَيْنِ لِلْمَعْقُولَيْنِ.

وَدَلَّ حَرْفُ الْمُفَاجَأَةِ عَلَى سُرْعَةِ مَحْقِ الْحَقِّ الْبَاطِلَ عِنْدَ وُرُودِهِ لِأَنَّ لِلْحَقِّ صَوْلَةً فَهُوَ سَرِيعُ الْمَفْعُولِ إِذَا وَرَدَ وَوَضُحَ، قَالَ تَعَالَى: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ [١٧] .

وَالزَّاهِقُ: الْمُنْفَلِتُ مِنْ مَوْضِعِهِ وَالْهَالِكُ، وَفِعْلُهُ كَسَمِعَ وَضَرَبَ، وَالْمَصْدَرُ الزُّهُوقُ.

وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ [٥٥] وَقَوْلِهِ تَعَالَى:

إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فِي سُورَة الْإِسْرَاء [٨١] .

وَعند مَا انْتَهَتْ مُقَارَعَتُهُمْ بِالْحُجَجِ السَّاطِعَةِ لِإِبْطَالِ قَوْلِهِمْ فِي الرَّسُولِ وَفِي الْقُرْآنِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ [الْأَنْبِيَاء: ٣- ٥] . وَمَا تَخَلَّلَ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَالْقَوَارِعِ