اعْتِقَادُهُمْ أَنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ وَلَدًا. وَقَدْ كَانَتْ خُزَاعَةُ مِنْ سُكَّانِ ضَوَاحِي مَكَّةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ مِنْ سَرَوَاتِ الْجِنِّ وَشَارَكَهُمْ فِي هَذَا الزَّعْمِ بَعْضٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ فِي سُورَةِ النَّحْلِ [٥٧] .
وَالْوَلَدُ اسْمُ جَمْعٍ مُفْرَدُهُ مِثْلُهُ، أَيِ اتَّخَذَ أَوْلَادًا، وَالْوَلَدُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَالَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا أَرَادُوا أَنَّهُ اتَّخَذَ بَنَاتٍ، قَالَ تَعَالَى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ [النَّحْل: ٥٧] .
وَلَمَّا كَانَ اتِّخَاذُ الْوَلَدِ نَقْصًا فِي جَانِبٍ وَاجِبِ الْوُجُودِ أَعْقَبَ مَقَالَتَهُمْ بِكَلِمَةِ سُبْحانَهُ تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ اتِّخَاذَ الْوَلَدِ إِنَّمَا يَنْشَأُ عَنِ الِافْتِقَارِ إِلَى إِكْمَالِ النَّقْصِ الْعَارِضِ بِفَقْدِ الْوَلَدِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُونُسَ [٦٨] قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ.
وَلَمَّا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً [الْبَقَرَة: ١١٦] أَنَّهُمْ زَعَمُوا الْمَلَائِكَةَ بَنَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أُعْقِبَ حَرْفُ الْإِضْرَابِ عَنْ قَوْلِهِمْ بِالْإِخْبَارِ بِأَنَّهُمْ عِبَادٌ دُونَ ذِكْرِ الْمُبْتَدَأِ لِلْعِلْمِ بِهِ. وَالتَّقْدِيرُ: بَلِ الْمَلَائِكَةُ عِبَادٌ مُكَرَمُونَ، أَيْ أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِرِضَاهُ عَنْهُمْ وَجَعَلَهُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُقَرَّبِينَ وَفَضَّلَهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ الصَّالِحِينَ.
وَالسَّبْقُ، حَقِيقَتُهُ: التَّقَدُّمُ فِي السَّيْرِ عَلَى سَائِرٍ آخَرَ. وَقَدْ شَاعَ إِطْلَاقُهُ مَجَازًا عَلَى
التَّقَدُّمِ فِي كُلِّ عَمَلٍ. وَمِنْهُ السَّبْقُ فِي الْقَوْلِ، أَيِ التَّكَلُّمُ قَبْلَ الْغَيْرِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَنَفْيُهُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ، أَيْ كِنَايَةً عَنِ التَّعْظِيمِ وَالتَّوْقِيرِ. وَنَظِيرُهُ فِي ذَلِكَ النَّهْيُ عَنِ التَّقَدُّمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات: ١] فَإِنَّ التَّقَدُّمَ فِي مَعْنَى السَّبْقِ.
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ مَعْنَاهُ لَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ قَوْلٌ قَبْلَ قَوْلِهِ، أَيْ لَا يَقُولُونَ إِلَّا مَا أُذِنَ لَهُم أَن يَقُولُونَ. وَهَذَا عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute